المقالات

تيسير الزواج وعتبات العادات

في الغالب، لكل مجتمع وطائفة من الموروث الاجتماعي ما هو من المنزلة عندهم بمكان، وأن مخالفته ضربٌ من المجازفة التي تُدخِل المجازِفَ دائرة الاتهام، وتجعله محطّ أنظار مُعظِّمي العادات، فلا يُنظَر إليه إلا شزرًا..، فقد أتى مُنكَرًا من الفعل عظيمًا؛ خاصة إذا كان هذا الموروث مما يشهده الناس، ويحضرونه، ويُسجّلون مَن يأتونه، ويتفقّدون مَن يغيبون عنه، وربما يعاقبونه.. ومن هذه مناسبات الزواج.
وأمام هذه الثقافة، ومع أي مُخالِف لأي موروث من العادات.. تنامت الهيبة من العادات الاجتماعية، كضابط اجتماعي، ولو كانت حقيقتها تتعارض مع مصالح الأفراد والمجتمعات، وتُناوئ الأُسر العداوات..

فأمام كل مَن تُحدّثه نفسه التيسير والاختصار في مناسبات الزواج.. تراكمات من زمن أجداد أجداد الأجداد، ولازالوا بها متشبّثين ومُصرين، فلا أحد منهم يريد أن ينأى عن ركب العادات، أو مخالفتها، فهذا “عَيْب”، وأي “عَيْب”.. أولادنا ليسوا بأقل من أولاد فلان وفلان!! وفلانة عملتْ وصنعتْ في زواج ابنتها!! وفلان فعل وفعل في زواج ابنه!!
عتبات بل وعقبات نضعها، بل ونُساهم نحن في بقائها وتوريثها للجيل القادم، بسكوتنا عنها، وعدم سعينا للتغيير المطلوب، بل وخلوا المنابر والمحافل التربوية، وغيرها من تناول هذه المواضيع، أو محدودية الحوار فيها وعنها..

والأدهى والأمر أن يتصدر مشاهد هذه المناسبات الاجتماعية بعضُ مَن لا يدرك التبعات، ولا يُقدر المصالح والمفاسد، والاعتبارات التي ينبغي أن تكون مُقدمة وفوق كل اعتبار، فطرفا الزواجِ (الزوجُ والزوجةُ) ينبغي أن تكون مصلحتهما فوق كل اعتبار، فمن الإجحاف أن يراعي الرجل أو المرأة قناطر العادات غير المنطقية، ويتحمل الزوجان تبعات قرار أُحادي، يطال ضرره غير متخذه..
وقبل أن تظن أن في هذا الكلام مبالغةً، فكّر وقدّر، وانظر يمنةً ويسرةً، قديمًا وحديثًا، حولك وحول أصحابك.. وانظر في البيوت وما فيها ممن هم في سن الزواج ولا زالوا ينتظرون، وسينتظرون، وربما سوف ينتظرون..

وأقول – أيها القارئ الكريم -:
إن الإسلام يُربي على الإيثار وأن يكون أعضاؤه جسدًا واحدًا، يتوادُّون ويتحابون، ويعطف بعضُهم على بعض، وإن كان بعضُنا قد جاوز قنطرة تكاليف الزواج وهمومه وغمومه، فليس على بقية المنتظرين أن يُقاسوا ما قاسه السابقون، وأن يصطلوا بما ذاقه الأقدمون.. بل إيماننا وأخلاقنا تحثنا أن نُجنّب إخواننا ما لا نتمناه لأنفسنا، ونسعى للتيسير عليهم، والإرفاق بهم، وإعانتهم.. ولا يكن شعار أحدنا “ليذق ما ذُقناه، وليمُر بما مررنا به”!
وفي المقابل: هل كل عادة من عادات المجتمع يبنغي أن تبقى مُهابة، مُعظّمة؟ ولو كان في التخلي عنها مصالح راجحة، ومنافع مشتركة، سيما إذا تحقق في الزواج أركانه وشروطه ومستحباته؟ وهي كلها ولله الحمد لله متوفرة في الزواج الميسر المختصر، فهلّا نظرنا في عادات حَكَمَتْ وأحكمتْ قبضتها على المجتمع؛ تُعطّل نماءه، وتُؤخِر بناءه، وبيد أفراده القرار؟

إن عادةً من عادات المجتمع تفرض على الشاب والشابة أن يكون عرسهما في قاعة أو قصر، وأن يحضره القاصي والداني، وأن تُعقر فيها عشرات النُّوق، وأن يكون فيه تقْدِيمَات وضيافات ومشروبات و.. و.. لهي عادات ينبغي أن يُعاد النظر فيها! وفي مَن يُسوّقها، ويُجلّلها، ويدعو لها..

فنحن نرى إقبالًا ضعيفًا نحو الزواجات الميسَّرة المختصَرة، بل وإحجامًا غير مبرر من الأسر، رغم أن الوقت ملائم لحل تلك العُقد، والنفث في تلك التعويذات التي عاقت تيسير زواجات أبنائنا وبناتنا!
وإنّ رِيالًا يدفعه الزوجُ (العريس) في مناسبة زواجه في غير حِلّه ومحلّه لهو الذي سيدفع ضريبته، وسينوء بحمله، ففي عشيّة يتفرقع الناسُ عنه، وينسونه، ويبقى هو وزوجته، بل وأولادهما حبِيسي تلك الديون، ورهيني تلك المبالغ التي دفعها من عرق جبينه! فمتى نعي حقيقة الأمر؟
أعجبُ والله أشد العجب، من أبٍ، كان ينبغي أن يكون لبيبًا رشيدًا رحيمًا، بفلذة كبده أولًا، وبمجتمعه ثانيًّا: كيف يُصِرّ على أن تكون مناسبة الزواج كبيرةً عظيمةً مشهودةً، مُكلّفة، ومُتكلَّف فيها، وبيده التيسير والاختصار والتوفير والتدبير!
نعم. من حقك أن تفرح، وترى ولدك في يوم عرسه في صورة جميلة من السعادة والأُنس، لكن أيها الأب الكريم: إن دون فرحك “خرْط القتاد”، فيكفي ما ينتظر الزوج والزوجة من هموم الحياة، وبناء الأسرة، ما يكفيهما، ومن مطالب التربية ما ينتظرهما! فيسِّر ولا تُعسِّر.

ويكفي أيتها الأم المباركة، أن تعلمي أن فلانة وفلانة لن يجلبوا لابنتكِ، ولا لابنكِ السعادة، ولن يدفعوا عنهم الشقاوة، وأن تيسيركِ لشؤون الزواج، ودعوتكِ للمجتمع أن يُذلّل العقبات دونه لأمر رَشَد، وأنّ مَن سَنّ سُنةً طيبةً لن يُحرم أجرَها، ولن يُعدم بركتها، فيسِّروا ولا تُعسّروا، وارموا بعتبات “عَيْب” أن يكون زواجنا في البيت أو الاستراحة مختصرًا على الأسرتين في غياهب النسيان، فأنتم في زمنٍ يُشترى فيه الرجل الكفء، كما يُظفَر فيه بالمرأة الصالحة، وبين الكفاءة والصلاح رِزْقٌ يُساق، فيجمع الساق بالساق، فاظفروا بهما إنهما على تلاقٍ ووِفاق، قبل التعسير والتهويل والفِراق.
يسّر اللهُ على كل مَن يسّر على شبابنا وفتياتنا، وفتح له أبواب رزقه، وألبسه لباس الصحة والعافية، وأذاقه طعام الراحة والسعادة.

———————

@aboabdalela

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقال رائع يا دكتور أصبت كبدها……
    بارك الله فيك ونفع بك و بما تطرح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى