
حوار – محمد بربر
طوال ليالي شهر رمضان المبارك، تستضيف صحيفة مكة الإلكترونية، نخبة من كتّاب الرأي وأهل الأدب، لتسليط الضوء على رحلتهم مع القلم، والاستفادة من تجاربهم، يسعدنا أن نكون مع الناقد والشاعر محمد طاهر، في السطور التالية:
متى بدأت رحلتك مع القلم؟
منذ الصغر حيث كنت أجد موضوعات التعبير في المدرسة، فقد كنت أهتم بها وكذلك دراسة مدراس الشعر والبلاغة في المرحلة الثانوية وكيف أتعامل مع النصوص بشكل جاد وفيه متعة وفي الجامعة كنت على استحياء أحضر بعض الندوات الأدبية وبعض الأعمال المسرحية حيث كنت في إحدى الكليات العملية التي كانت تستولي على تركيزي بشكل كبير، بعد تخرجي ومواجهة الحياة وبداية مع سفري كانت الصدمة بين ما كنت أتخيله عن العالم وما وجدته في الواقع خاصة أنني سافرت بعد التخرج بفترة، والشعور بالاغتراب الذي كان يصاحبني قبل سفري وبالطبع مع السفر وتجاربه المتعددة والتحولات التي شهدتها بلادنا، كل هذا ولد طاقة ما في نفسي كونت المحاولات الأولى في الكتابة وكذلك وجدت الكتابة طاقة ما أحلق بها بين الواقع والحلم إلى حد كبير.
– متى قررت أن تكتب؟
منذ منتصف التسعينات سبقت القراءة الكتابة بالطبع وساهم في ذلك بلا شك تجربة مكتبة الأسرة ، تلك التجربة التي قدمت لنا أعمال الأدباء الكبار بسعر رمزي ، كذلك كانت هناك بعض المطبوعات المتخصصة مثل أخبار الأدب والتي كانت تقدم مادة أدبية جيدة ناهيك عن صحيفة الأهرام والتي بمثابة وجبة هامة لدي الطبقة المتوسطة خاصة أهرام الجمعة وعدد السبت لجريدة الأخبار أيضا، كل هذا قبل عام ٢٠٠٧ وظهور طفرة تكنولوجية خاصة في وسائل التواصل والتي منها كونت مكتبة الكترونية في حسابي أحمل عليها الكتب وهي مقسمة كمكتبة بالفعل وعليها أيضاً كل أعمالي تقريبا.
لذا أستطيع أن أقول أنني كنت حريصًا على حضور الندوات الأدبية الأسبوعية حتى في فترة الغربة في الزيارات القصيرة، أما في عام ٢٠٠٦ كنت مغتربا ممارسا عملي في مجالي المهني وهو غير مرتبط بالأدب حيث البرمجيات وإدارة المشاريع وتحليل الأنظمة وغيرها فكنت أرى في عوالم الأدب شعرا وسرداً واحة نور وأمل وثمة رابط ما يربطني بالوطن وبحياة أنشدها ربما لم أنجح فيها في واقع صعب بل ربما في مواقف تبدو أكثر تأزما مما كنت أتصورها، فوجدت على سبيل المثال قراءة أشعار فؤاد حداد, صلاح جاهين, محمد عفيفي مطر وسيد حجاب والأبنودي وأحمد فؤاد نجم وبيرم التونسي وغيرهم شيء ما يتكون بداخلي يدفعني لكتابة الشعر.
– متى بدأت النشر؟ وما نوع المنشور؟ وأين؟
في البداية: أري أن حياة الكاتب هي عبارة عن مراحل تبدأ من التشكيل والبناء وتحسس الطريق ثم التجارب والتجريب ثم ثمة خبرة ما يكتسبها بفعل نضج التجربة وثقة يكتسبها بفعل التجارب، والتجارب هنا تنقسم لعدة أجزاء خبرة في الكتابة ونظرته النقدية لما كتب ثم خبرة الكاتب بالحياة ومن القراءات المتعددة التي يصل لها وجزء هام هي الدائرة الصغيرة المحيطة بالكاتب من المثقفين.
لذا فقد كانت هناك محاولات للنشر علي صفحات المنتديات وكذلك المجلات الالكترونية ومجلة أوراق حيث نشرت قصائد من شعر العامية وكذلك بعض الدراسات النقدية. أما عن النشر فقد كان علي مراحل فأذكر أني شاركت بشهادة بعنوان “تجارب من الحياة ” في كتاب المؤتمر الأول عن أدب الطفل في دمياط بعنوان “الكتابة للطفل والكتابة عنه” في يونيو من العام ٢٠١٥ ثم صدر لي ديوان في شعر العامية بعنوان “علي حدود الوطن” عن دار الإسلام في يناير من العام ٢٠١٦ ديوان بالعامية المصرية، وكذلك ديوان مجمع اشتركت فيه بخمس قصائد مع مجموعة من الشعراء بعنوان “في حب مصر” عام ٢٠١٩ لدار همسة في معرض القاهرة للكتاب.
كذلك نشرت بحث بدراسات نقدية في مجموعات قصصية بعنوان “بنيوية الحكي والسياقات السردية ” في مؤتمر اليوم الواحد في يناير ٢٠١٩ بعنوان “الأدب المصري: رؤي ومواقف” وكذلك نشرت إحدي هذه الدراسات في مجلة الهلال الثقافية.
وماذا عن مؤتمر السرديات؟
حاليا أري أن تجربتي مع مؤتمر السرديات بدمياط تشكل مرحلة هامة في كتابتي واهتماماتي الأدبية لذا فقد تحولت بوصلتي من الكتابة الإبداعية الأولي والتي فيها ديوان عامي وديوان رباعيات وكذلك مجموعة قصصية للأطفال كلها تحت المراجعة والطبع متوقفة لأنني وجدت طاقة ما فيما يقدمه مختبر السرد من مناقشات وورش عمل تجعلني أكتب دراسات نقدية أعيش معها لحظات متعة أشعر بها وأستطيع وصفها أنها تتماهى مع لحظات الكتابة الإبداعية الأولى لما أشرت له سلفا برغم أنها كتابة لاحقة لأعمال مبدعة متنوعة الأجناس السردية والموضوعات أيضاً لكنني وجدت شغف مختلف في الكتابة عن هذه الأعمال.
حدثني عن أبرز القضايا التي تشغل بالك؟
دعني أقول لك إن المعرفة والدهشة هما دافعان أساسيان عندي للموضوعات التي تحفزني، مهتم بالشأن العام وكل ما يرتبط بالحياة اليومية وما يدور في العالم، في مرحلة بالفعل تشهد تغير لموازين القوى وحروب الجيلين الرابع والخامس ومحاولات طمس الوعي وتغيير هوية المجتمعات، ولذا أرى أن الأدب لابد له من حضور أكثر قوة وتأثير بفعل الفن والأداء الإبداعي الذي يشكل وجدانا راقيا ومتناغما مع قيم مجتمعنا ويربطنا بجذورنا الطيبة المحبة للحياة وللآخر دون عنف أو تزيد وبكرامة، كذلك احترام العقل وشحذه وجعله مشارك متداخل وفاعل من خلال الفن أيضاً. ولكنني مهتم أيضا بكل ما هو إنساني ويلمس الوجدان ويخلق طاقة ايجابية في النفس.
– هل لديك طقوس معينة في الكتابة؟
لا توجد طقوس خاصة ولكن في الشعر علي سبيل المثال إذا حضرت القصيدة توقفت اللحظة الحالية عندي حتى أكتب أبياتها وربما النوم حتى تنتهي الدفقة الدافعة للكتابة، أما الدراسات النقدية فهي حالة أخري مختلفة تماما هي تحتاج لعدة جلسات وقراءة النصوص بتركيز وحب وبلا مواقف مسبقة ثم أجدني غير قادر علي كتابة حرف واحد ثم ربما أخرج أو أنام وبعد ذلك أجدني أمام فيض من أفكار متلاحقة أحاول لملمتها كي تخرج الدراسة في أفضل شكل ممكن. أما كتابة القصة فهي على مهل وروية وليس بها ما سبق حتى تنتهي كيفما تشاء.
– هل الكتابة بالنسبة لك مهنة؟ أم شغف؟
شغف وشغف له رونق مختلف، لأنه متعلق بحالة تدفعني للكتابة ربما أمكث الكثير من الأيام ولدي شعور بأنني أرفض الكتابة ولذا لا أعرف كيف لهذه المزاجية تكون مهنة على الأقل لي!
بالفعل نحن لا نكتب لذواتنا فقط وإلا ما الداعي لأن يقرأ لك الآخر.
في الكتابة الإبداعية تعبر بأدواتك وموهبتك ما يتماس مع الآخر، ربما هو غير قادر على البوح به ولذا تأتي دور الموهبة كي تغوص في المجتمع وشخوصه وتقدم لنا إبداعًا يخلق في روحنا المتعة ويكشف لنا ما يغيب عنا وإن كان تحت بصرنا ، فالكاتب ذو بصيرة بالطبع يري بها العالم بشكل مغاير. أما لماذا ؟ فهذا شيء شغوف به وربما له ظلال من أن يجعلني في زمرة متميزة وهذا بالطبع يسعدني.
– هل الكتابة اليومية مرهقة للكاتب؟
بالطبع مرهقة لأنها تحتاج تفرغ ودقة ونقد ذاتي وجودة في عالم يعج بالكتابات والكتاب ولكن الجودة شبه نادرة ولذا وجبت أن تكون مرهقة وكلمة يومية تعني أنك تكتب كل يوم وهذا صعب جداً فهي ما بين قراءة وكتابة وظروف حياة قاسية تحتاج جل جهدك.
– الكتابة مسؤولية اجتماعية؟ ما تعليقك؟
نعم، فالكتابة منها الجيد والرديء وكل له أثره وقارن بين قراءة نصين جاد ورديء وتعرف علي حالتك بعد كل واحد منهما ، فالوعي لدي المتلقي يساهم فيه الكاتب وهذه مسئولية كبيرة. تخيل معي بعض الكتابات الرديئة امتلكت ناصية النشر والكتابة واختفت الكتابة الإبداعية الناصعة سوف تبرمج هذه الترهات عقول ووجدان المتلقين وتصب اليأس في نفوس المبدعين الحقيقيين وهذه جريمة في حق المجتمع فالعلاقة بين المجتمع وكتابه علاقة تفاعلية كل منها يؤثر في الآخر.
– أبرز موقف تعرضت له من الكتابة؟
كنت ألقي قصيدة “وابور الجاز” وهي من ديواني الأول في إحدى الندوات وفوجئت بأحد الحضور يبكي فاندهشت فقال لي: ذكرتني بجدتي الله يرحمها وذكرياتي معها.
وأذكر أنني ناقشت مع مختبر السرديات بدمياط مجموعة قصصية قبل جائحة كورونا وقد كان لي بحث نقدي وقد كنت مسافر إلي كندا في رحلة عمل وبعد الخروج من المختبر وجدت مسابقة الإقليم شرق الدلتا عن المقال النقدي ، فقدمت قبل السفر ونسيت الأمر وجاءت جائحة كورونا وقد كنت عائدا في مارس ٢٠٢٠ قبل غلق المطارات بأيام ثم فوجئت في فترة الحظر وقد فازت هذه الدراسة بالمركز الأول عبر صفحة الفيس بوك وهذا أسعدني وقد نشرت الدراسة في مجلة الرأي اللندنية وغيرها من المطبوعات
– هل تعرضت للمحاسبة بسبب الكتابة؟
لا ربما للخديعة ولكن لن تتكرر بإذن الله
– ماذا تعني لك حرية الرأي؟
الحرية في عقلي هي مسئولية فلا يوجد شيء مطلق وإلا صار “انفلات” لا تحمد عواقبه
– ما أبرز محطات قلمك؟
كتابة الشعر والقصة القصيرة ثم الدراسات النقدية التي أرى فيها متعة تعادل الإبداع السابق عليها.
– كيف تصف تجربتك مع الكتابة؟
شغف
– هل جمعت أعمالك في كتاب؟
نعم.. تحت الطبع
– هل كانت الكتابة نقطة تحول في حياتك؟
نعم جعلتني أكثر إدراكًا وشعرت معها بمسئولية أكبر
– كاتب تأثرت به؟
كل كاتب قرأت له ترك في نفسي شيئا ما بقدر حجم موهبته وإبداعه.
-كاتب يعجبك طرحه ؟
العبقري الأديب بالأصالة والفيلسوف بالوكالة نجيب محفوظ، سحر السرد ونصاعة الرؤية والمتعة والبناء السردي المتماسك عنده وفهمه للشخصية المصرية بامتياز
– كاتب تقرأ له؟
أنا منفتح علي الجميع، لكن أري في القصة القصيرة الأديب الراحل صبري موسي مختلف، وفي الشعر فؤاد حداد مبهر جدا لي.
– رسالتك للكتّاب الجدد؟
القراءة والقراءة للقامات الكبيرة فقط حتى تنضبط الذائقة، ويتشكل وعي ناصع وابتعد عن أي مجامل وكذاك أي مثبط لك.






