عام

الدكتور علي عوض شراب في حوار مع “مكة” الإلكترونية: العالم يعاني ونحتاج “عصر الحكمة” لإنقاذه.. ورسالة الإنسان في الحياة سر سعادته

يعتبر الدكتور علي عوض شراب واحدا من الشخصيات المميزة داخل المملكة، نظراً لطبيعة تخصصه الذي لا يشغل الكثيرين داخل البلاد وهو “علم الحكمة” الذي وهب نفسه لدراسته واكتشاف دلالاته وتفاصيله، وهو ما دفع “مكة” الإلكترونية لمحاورته ضمن سلسلة اللقاءات للوقوف على خلاصة تجربته ومسيرته في الحياة، وإلى نص الحوار:

**لمن يسأل عنكم ضيفنا الكريم أين تتواجدون في رحاب هذه الدنيا؟ وكيف تقضون أوقاتكم؟
_في قلب هذا العالم أعيش في المملكة العربية السعودية، وفي قلب المملكة العربية السعودية في مكة المكرمة، والحمد لله الذي أكرمني بأن أكون من أبناء هذا البلد وأكرمني بالعيش في مكة المكرمة.

**ما الذي يشغل اهتمامكم في الوقت الحاضر؟
_ منذ أكثر من 20 سنة شغلني مشروع “الطريق إلى الحكمة”، وهو مشروع يبني الفكر على مستوى الفرد والأسرة ومؤسسات المجتمع، وهو قائم على منهج تعليمي تربوي تدريبي يهتم بتعليم الحكمة، بعد أن قمت بدراسة شخصيات الحكماء وأفكارهم وأنماط تفكيرهم وطرقهم في التعبير والتواصل والتأثير.

**الحكمة خير من الله يؤتها من يشاء.. كيف تعرفون الحكمة من وجهة نظركم؟
_الحكمة هي “وضع كل شيء في موضعه المناسب”، ولكن يبقى السؤال “كيف نعرف الموضع المناسب؟”، وماذا إن كان المناسب في موضع غير مناسب في موضع آخر؟، هذه هي أهم أسئلة مشروع “الطريق إلى الحكمة”.

**وما إجابة تلك الأسئلة؟
‏-إجابة أسئلة مشروع الطريق إلى الحكمة تتمثل في: بناء شخصية الإنسان بشكل شمولي وعميق وبسيط في ثلاثة مكونات تشكل شخصية الإنسان، وهي: هياكل الفكر، وفي أنماط التفكير، وفي طرق التعبير.

**ما بين حكمة الشيوخ وهمة الشباب أيهما أقرب برأيكم.. ثمة اتفاق أو فجوة اختلاف؟
_ في الحياة لا يستغنى أحد عن أحد، فكل شئ يحتاج إلى الآخر، للشباب الطاقة والقدرة على الفعل والعمل، وللشيوخ طاقة وقدرة على قراءة العواقب وفهم الأحداث والتفكير في المآلات البعيدة، ولا يمكن لعمل أن يستغني عن هذين الجانبين.

**هل الإنسان في هذا العالم ضل طريق الحكمة؟ وهل بالجملة تنقصه الحكمة؟
_ ‏العالم الآن يتحدث بنفسه عن نفسه، فهو يخبرك بلغة لا تكذب وهي لغة الأرقام عما وصل إليه من معاناة، وفي كافة مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والأمنية والصحية، ولهذا عندما نادى عدد كبير من الباحثين والمفكرين بأننا بحاجة إلى “عصر الحكمة” فقد كانوا يعلمون جيداً لماذا يقولون ذلك.

**في حياتنا مراحل إنسانية مختلفة من الضعف إلى القوة وهكذا.. ماذا تتذكرون من وقائع في ثنايا المراحل؟
_ أذكر الكثير والكثير مما لا يكفيه مئات الصفحات، ولكن رحلة عمر الإنسان عبر الزمن هي رحلة إما إلى النضج والترقي، أو هي رحلة إلى الجمود والتخلف.
“‏في العشرينات من عمري” كنت أفكر في تحقيق استقرار أسري ودخل مادي، “في الثلاثينات” كنت أفكر في كيفية إنجاح الأعمال التي كنت أقوم بها، “وفي الأربعينات” كنت أفكر في مساعدة نفسي على تجاوز المعاني التي كونتها عن نفسي وعن الحياة، أما الآن وأنا على أبواب “الستينات” أفكر كيف يمكن أن أختم رحلتي بأثر يستحق أن أتركه خلفي وألقى به ربي، وأرجو أن تكون رحلة ترقي.

**ما بين الربح والخسارة أو الخسارة والربح كيف تصفون أصعب المشاعر وأجملها؟
_أجمل المشاعر وأصعبها هو الشعور بالعودة إلى الله سبحانه.. بعدما شغلك عملك عن ربك، وألهتك دنياك عن ربك، وغرتك الأماني عن ربك، واعتصمت بالناس والعزوة والعلاقات عن ربك، فلا أعظم ولا أكرم من أن تكون روحك بعيدة عن حاجاتك الجسدية ورغباتك النفسية وارتباطاتك الاجتماعية.

**الحزن سمة إنسانية ثابتة هل احتجتم له يوماً ما.. وما هي أقسى لحظات الحزن التي مرت بكم؟
_الحزن شعور يلازمك كلما فقدت شيئاً ذو قيمة، الفقد يجعل الحزن يطرق قلبك بشدة، ونحن البشر نحب التملك، ونحب أن نحافظ على ما نظن أنه ملك لنا، ولكن عندما تنجلى لك الحقيقة ستعرف أن الحزن لا يليق بك، إلا في حالة أن فاتك عمل من أعمال الخير كان بإمكانك ألا يفوتك ولم تفعل، في هذه الحالة فقط تحتاج الحزن؛ ليكون مرشداً ودليلاً لنا في تصحيح سلوكنا ومسارنا.

**التوفيق والسداد هبة من الله تعالى.. ما هي أكثر المواقف التي مرت بكم توفيقاً وسدادا؟
_ إذا تأملت ستجد أن كل المواقف التي مررنا بها يوماً هي عين التوفيق والتسديد من الله سبحانه وتعالى، حتى ذلك الإنسان الذي تراكمت عليه أشكال المعاناة في التربية أو المال أو الصحة أو العلاقات، فهذه الابتلاءات هي شكل خفي من توفيق الله لنا؛ لأن الله يريدنا أن نفيق من غفلتنا، ولهذا سبحانه وتعالى ابتلانا بما نكره؛ لأنه يحب لعبده أن يعود إلى ما يحب سبحانه.. فكل أمورنا هي توفيق لو تبصّرنا.

**بماذا نربط الحياة السعيدة من وجهة نظركم الشخصية؟
‏_الحياة السعيدة ترتبط بمعرفة الإنسان لرسالته الخاصة في الحياة، عندها سيكون اختياره للطريق الذي يسير فيه اختيارا واعيا، وعندها كل ما يتعلمه ويسمعه ويراه سيكون مسخرا له ليؤدي رسالته، وعندها سيكون كل ما يعمله لا يعمله من أجل نفسه بل من أجل أهله ووطنه والعالم أجمع، وعندها سيكون الإنسان قد تجاوزه ذاته، وعند هذه النقطة (أي عندما يتجاوز الإنسان ذاته) سيكون قد تخلص من شهوات نفسه وأمراض قلبه، ليجد أن معنى الحياة لم يعد أن يعيش فيها؛ بل أن يعيش لها.. هنا يجد الإنسان سعادته.

**هل نستطيع أن نعتبر السعادة أسلوب حياة؟
_ السعادة هي أسلوب حياة كما تفضلت، ولكن أسلوب الحياة ذلك لا يتحقق إلا عندما تكون نظرتنا إلى الحياة الصحيحة، وإذا أردنا أن نصحح نظرتنا إلى الحياة علينا الإجابة على الأسئلة الأساسية التالية (إجابات صحيحة): من أنت؟، ولماذا أنت على الأرض؟، وماذا يجب أن تفعل؟، وماذا تستطيع أن تفعل؟، وما الذي فعلته؟، وكيف فعلته؟، ولماذا فعلته (من أجل من)؟، وهل بإمكانك أن تفعله ثانية بأفضل مما فعلت من قبل؟.
إن استطعت أن تجيب على هذه الأسئلة كل يوم، بشكل صحيح، ستمتلئ بالإيمان والتوكل والبساطة والمحبة، وستُفرغ قلبك من الخوف المجهول، والقلق على المستقبل، ومن الغضب والكراهية (وخصوصا تجاه الذين لا يفكرون في الحياة كما تفكر، ولا يعرفون عنها ما تعرف)، وسنجد أنها أفرغت نفسك من التوكل على الناس، ومن البحث عن المزيد من الأملاك والقوة، وأفرغت نفسك من تفضيلاتها على الآخرين، وتريك في نفسك عيوب نفسك واضحة لك، وتعينك أن تجاهد نفسك لتتخلص من شيء منها، حين ترى تلك العلامات، فأعلم أن هذا هو “أسلوب الحياة” الذي سيقودك إلى السعادة بإذن الله تعالى.

**متى يصل الإنسان إلى محطات النجاح؟
_ لست ممن يعتقدون أن النجاح يأتي من تحقيق الأهداف، ولكنني ممن يعتقدون بأن السعي إلى تحقيق الأهداف الصحيحة هو الطريق الصحيح للنجاح، والسعادة والنجاح وجهان لعملة واحدة، كلاهما يفتح لنا الباب إلى الآخر.

**ومتى تتوقف تطلعاتنا في الحياة؟
_ فقط عندما نلقى الله سبحانه وتعالى.

**في الأغلب ننصف الإنسان بعد رحيله من دنيانا.. متى ننصف هذا الإنسان قبل أن يرحل؟
_ عندما تطهر قلوبنا من “الأنا”، ونتمكن من تقييم الناس بعين المحبة لا بعين المنافسة، ونتبع منهج الله سبحانه ورسوله عليه أفضل الصلاة والسلام في التسامح مع الخطائين والمقصرين وأولهم التسامح مع أنفسنا، وعندما نعرف أن “الطريق إلى الله” ليس بمحاسبة الخلق، وإنما بمحبتهم، والدعاء لهم، وعونهم على أنفسهم؛ بدلاً من عون الشيطان عليهم، وكذلك عندما نعلم أن كراهيتنا لأخطاء الخطائين، ليس غيرة على الدين، بل مرض أصاب القلوب، وأن الكراهية يجب أن تكون للأفعال لا للأشخاص، وإذا لم نستطع التحكم في توجيه انفعالاتنا بعيداً عن الأشخاص فهذا لقصور في إدراكنا وخلل في نفسياتنا.

**في الاستشارة.. من يستشير ضيفنا الكريم في مواقفه الحياتية المختلفة؟ ولماذا؟ وماهي أهم استشارة مضت؟
_في أمور حياتي الشخصية غالباً ما أكون قليل الاستشارة فيها؛ لأني أعتقد بأنه لا أحد سيفهم ظروفي وأحوالي أفضل مني، ولكن في الأمور المتعلقة بأمور الحياة المحيطة بنا ففي العادة ألجأ إلى أهل الاختصاص، واختار من أهل الاختصاص من يجمع صفتين: يتمتع بعقل موضوعي، ويتمتع بحس المسؤولية والأمانة، وذلك لأنني أعتقد أنه من أهل الاختصاص من لا يتحرى المشكلة بدرجة كافية من الأمانة والتواضع قبل أن يقترح الحلول والعلاج، فإن لم يجمع بين الاثنين.. أكون حذراً عند الاستشارة وغالباً لا أتبع استشارته.

**متى غض النظر ضيفنا في المواقف المصاحبة له؟ وهل تذكرون بعض هذه المواقف؟
_ عادة أغض النظر عن الأشخاص الذين لا يعرفون ما الذي أتحدث عنه، أولا يؤمنون بما أتحدث عنه، وعادة أغض النظر عن المواقف التي لا يكون فيها: علم ينتفع به، أو عمل ينفع الناس.

**هل ندمتم على سكوتكم يوماً؟ ومتى ندمتم على بعض كلامكم؟
-الندم نعمة؛ لأنه دلالة على مراجعة الإنسان لنفسه، وهو أيضاً دلالة على حياة ضمير الإنسان، وهو دلالة ثالثة على أن الإنسان يمكن أن يتعلم من أخطائه، والحمد لله إن هذه النعمة تتكرر في حياتي كثيراً.

**في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة أحاديثنا تختلف عن واقعنا.. إلى أي مدى صحة هذه الجملة؟
‏_ ليس فقط في وسائل التواصل الاجتماعي فهي موجودة في كل جلساتنا وحواراتنا وعلاقاتنا القريب منها والبعيد، لا أفخر ولا أتباهى بذكر أن الإنسان جُبل على أمرين اثنين هما في أصل تكوينه:
الأمر الأول الوهم: عيش الوهم هو خاصية بشرية نستخدمها في ثلاث مجالات، المجال الأول: أن يعتقد نفسه أفضل مما هي عليه (في قدراته، وفي أفعاله، وفي عبادته.. الخ)؛ لأن من طبيعة الإنسان أنه يخشى أن يعرفه الناس على ما هو، ويتصور أن عيوبه ونقاط ضعفة سوف تصرف الناس عن محبته وعن الثقة به.
أما المجال الثاني للوهم: أن يرى الناس على غير حقيقتهم وما هم عليه، مما يجعله يصدم كثيرا فيهم، كما يجعله متطلبا منهم ما لا يستطيعون.
‏أما المجال الثالث: أن يرى الحياة والأحداث بخلاف حقيقتها وما هي عليه والرؤية الواهمة للحياة تجعله يعيشها كما لو أنها طُوّعت وفقاً لما يريد منها بدلاً من أن يطوع نفسه وفقاً لما هي عليه، فهو يريدها بمزاجه هو، وهي تريده بمزاجها هي.
‏الأمر الثاني الذي جُبل عليه الإنسان هو الخداع: إذا كان الوهم يجعل الواهم معتقدا في نفسه والناس والحياة بما ليس حقيقة وهم لا يعلمون، فإن الخداع يجعل الإنسان يخدع نفسه والآخرين؛ وهو عارف بأنه يخدعهم.. ويقوده هذا إلى أشكال من ممارسة النفاق والكذب والحيل والمكر وغيرها مما يفسد الأرض، كما أن تجاهل “الحقائق” هو الأساس الكبير الذي يؤدي إلى كافة أشكال المشكلات الصحية والنفسية والفكرية والروحية، كما أنه أساس كافة المشكلات الأسرية والمجتمعية والإنسانية بشكل عام، ولهذا كانت معرفة “الحقيقة” والحياة وفقاً لها هي أفضل علاج بشري على الإطلاق رغم صعوبة ومرارة الحقيقة.

**في حياتنا اليومية هل افتقدنا حقيقة إلى الإنسان القدوة؟
_ بل قل افتقدنا إلى معرفة الإنسان القدوة؛ لأن القدوات تنقسم إلى قسمين: القدوة الحية التي نراها أو نسمعها، والقدوة الحية التي لا نراها ولا نسمعها، وكلاهما متوفر فإن لم تتوفر القدوة من النوع الأول فإن القدوة من النوع الثاني متوفرة.. ولكن السؤال هو: ما الذي نبحث عنه؟، فهناك قدوات في الفكر.. وقدوات في الأخلاق، والدين، والعمل، وهناك قدوات في الرياضة والفنون والتسلية، وهناك قدوات في اللهو والإهمال والغفلة واللامبالاة والانحرافات والشذوذ والضياع.
إذا قمنا بتحديد ما الذي ينقصنا؟ وما الذي نحتاج اليه؟ وما الذي نرغب فيه؟ وما الذي نشتهيه؟ فبسهولة سنجد القدوة المطلوبة.

**الأبناء في الوقت الحالي هل يحتاجون إلى الرأي والمشورة منا؟ وهل المسافات بعدت بيننا وبينهم؟
_لا .. ليست المسافات بعيدة بين الناس، بل باتت أقرب ما تكون في أي عصر من العصور، الذي تباعدت هي العقول والأفهام وهذا ما يؤدي إلى تباعد القلوب والمشاعر والأشخاص، والسبب في تباعد العقول هو جمود كلا العقلين في طرفين متباعدين، فلا الآباء امتلكوا النضج الكافي؛ ليمارسوا المرونة الفكرية التي تعينهم على التخلي عن الأساليب والطرق التي تأخذه بعيداً عن الأبناء، ولا الأبناء تعلموا من آبائهم كيف يفهمون العالم من الآباء، وذلك يحدث عندما تخلي الآباء عن تنوير أنفسهم بالتعلم، وتطوير قدراتهم بالتدريب، وابتعدوا عن مواكبة الطوفان المعرفي الذي يعيشه أبناؤهم، واكتفوا بالتوجيه والنصح المباشر، ومارسوا أساليب التهديد والوعيد، ولم يتعلموا أساليب الحوار والإقناع، ولم يقرأوا عن طبيعة الطفولة والمراهقة، ولم يدرسوا عن حقيقة مسؤولياتهم كآباء في إنجاب أبنائهم قبل التفكير في تربيتهم، كل ذلك أدى إلى بروز فجوة هائلة وخطيرة في العائلة، وأرجو أن يحاسبنا الله عليها بلطفه وعفوه.

**الدنيا طويت على غرور.. متى وجدتم هذه العبارة ماثلة أمامكم؟
_ ‏بعد الأربعين بدأت هذه الحقيقة تتكشف شيئاً فشيئا، ولا زلت كل يوم أكتشف منها شيئا؛ لأننا بعد الأربعين نبدأ برؤية الماضي أكثر من رؤية المستقبل، وعندما أشاهد ذلك الركض الذي كنا نركضه من قبل وتلك الأخطاء والذنوب التي وقعنا فيها، ثم نشاهد نتائج كل ذلك على واقعنا الحالي، تتوالى الدروس أمام نواظرنا لتخبرنا بأن الحياة ما هي إلا “متاع الغرور”.

**من أنبل الناس في رأيكم؟
_الذين يقدمون كل شيء، ولا ينتظرون أي شيء.

**المحبطون هم أشد الناس تعاسة، هل صادفتم هذه الفئة؟ وكيف تعاملتم معها؟
_كل أنواع الضعف البشري تستحق أقصى درجات التعاطف، الإحباط واليأس والاكتئاب هم عائلة واحدة تربطها علاقات وثيقة بالعائلات الأخرى، والتي غالباً ما تكون أبوابها هي التي أدخلت الإحباط وأخواته إلى القلب البشري الضعيف، ولكن الإحباط وغيره ليس حالة نفسية ثابتة كما يعتقد كثير من المصابين به، ولهذا فهي قابلة للتغيير بسهولة إذا تغيرت طريقة تفكيره ونظرته إلى الحياة وإلى نفسه، وقام بأداء أدواره كما يجب ومارس حقوقه الطبيعية دون تكلف وبدون أقنعة، وهذا لا يتحقق إلا بالتسليم وعدم المقاومة باتباع منهج شفائي معرف شامل وسلس وعميق.

**هل ندمتم يوماً في النقاش مع أصحاب الوعي والإدراك؟ وهل ندمتم في النقاش مع غيرهم؟ ولماذا؟
_إذا كنت تقصد أصحاب الوعي الحقيقي فإن نقاشي لهم هو ارتقاء بذاتي بين أيديهم، لأن الوعي هو قيمة بشرية عالية في الإدراك، أما إن قصدت بأصحاب الوعي المتعلمين بشكل عام، فالعلم والشهادات العلمية كلما ارتفعت في درجاتها كانت سبباً في غرور صاحبها، والحوار بطبيعته يغدوا صعباً مع المغرورين الذين يعتقدون أنهم يملكون أدوات للتفكير أفضل مما لدى غيرهم، ولكن المتعلمين الذين يسلمون من تأثير (المراتب العلمية) عليهم، هم من أصحاب الوعي الحقيقي، أما أن كنت تقصد بأصحاب الوعي (التابعة لعلوم تطوير الذات) فشخصيا تعلمت منهم الكثير واختلف معهم في الكثير.. وخصوصاً حول دور العقل في تلقي المعرفة والعلم.

**من الفئات التي تتجنب النقاش معها؟
‏_المتعبون من أهل النقاش الذين أتجنب نقاشهم هم الفئات التالية، الذين يجادلون وهم لا يعلمون، أو ليس لديهم إحاطة كافية بما يجادلون، والذين يعلمون ما يجادلون فيه، ولكنهم يجادلون بلا دليل، ولا يعرفون ما هي قيمة الدليل؟، وكيف ومتى يكون الدليل دليلاً؟، وكذلك الذين يتجادلون بدليل ويضعون الدليل في غير موضعه، هؤلاء لا يعرفون مواضع الاستدلال، ومتى يكون الدليل مناسباً للاستدلال وصالحا للاستشهاد به، وأيضا أتجنب الذين يجادلون بأقوال الآخرين، ولا يعرفون لماذا يقول للآخرين ذلك؟، هم الذين آمنوا بأفكار وقناعة فئة أو طائفة من الناس لأسباب عاطفية، وساروا بها يتحدثون عنها ويناقشون بها وهم لا يعرفون درجة صحة هذه الأفكار، ولا كيف يزنونها بميزان العقل والشرع، كما أتجنب الذين يجادلون بأدلة الآخرين، ولا يستطيعون الرد على الحجج التي لا يعرفون أدلتها، هؤلاء أعلى درجة من سابقيهم، فهم أخذوا الأدلة والبراهين من أصحابها (أيضاً لأسباب عاطفية) وهم غير قادرين على تقييم تلك الأدلة والبراهين ومدى صحتها ومدى إمكانية إثباتها للحقيقة، أما أصعبهم فهم الذين يجادلون بالدلالات المباشرة للنصوص والكلمات، ولا يسعفهم إدراكهم بفهم حقيقة بأن هناك ما هو أوسع من حدود اللغة.. وهي حدود المعاني في النفس البشرية وأن المعاني تبقى أكثر بكثير من اللغة التي صيغت بها، وهذا على افتراض أن النصوص التي يتم النقاش حولها مكتوبة بقلم ذو بلاغة عالية جداً.

**هل من كلمة أخيرة تود إضافتها؟
_ هذا العالم ليس مكاناً للحياة بأي شكل ولا أي سبب، وهو ليس مكاناً للاسترخاء أو الاستمتاع بأي شيء ولا لأي شيء، نحن في هذا العالم لكي نعمل، والعمل يحتاج إلى معرفة، والمعرفة تحتاج إلى مرجعيات، والمرجعيات تحتاج إلى العقل، والعقل يحتاج إلى إعداد، والإعداد يحتاج إلى منهج، والمنهج يحتاج إلى مصدر موثوق، ولنتذكر أن العالم لا ينقصه الذكاء، ولكن تنقصه الحكمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com