المقالات

صداقة المصعد !

الإنسان في واقعه الاجتماعي ماهو إلا علاقات متداخلة، ومصالح متقاطعة مع الآخرين وقد يشغل بال هذا الإنسان وخاصة في مقتبل عمره بعضاً من الأسئلة الهامة والتي تلامس جوانبه الشخصية ترغمه في بعض الأحيان بالتوقف عند بعض استفهاماتها فتجده في عمل دائم من إشغال الذهن باستدعاء لبعض المواقف وعمل المقارنات بين العديد من الوجوه والعديد من الأحداث، بل قد يتناول الأفكار مع أشخاص لهم خبرات عميقة في معترك الحياة عله يصل إلى إجابات مقنعة لكل ما يدور من حوله من خبايا الوقائع الاجتماعية المختلفة تتصدرها بطبيعة الحال المبادئ والقيم الإنسانية. وعلى سبيل المثال لا الحصر مبدأ الصداقة، والصداقة حقيقة هي مفهوم جميل تقوم بين شخصين متقاربين في العمر والتفكير وفيما بينهما تشابه في العديد من الصفات والمفاهيم وحتّى الطموحات المرجوة، وهي أيضاً وبكل تأكيد نكران للذات من حيث تقديم العون والمساعدة في مختلف الظروف والمواقف، وبدون أي حسابات مُسبقة.

وأتذكر جيداً وفي وقت مبكر من العمر مناقشة عابرة لقضية اجتماعية وأمام قامة معروفة اجتماعياً وأثناء انتصاف الحديث توقفت هذه الشخصية الشهيرة عن الكلام تماماً حيث قال نصاً:” عفواً الآن سأتوقف عن استكمال النقاش؛ لوجود مناسبة خاصة لصديق العمر ولصداقة امتدت إلى أكثر من أربعين عاماً وذهب إلى وجهته على عجل وارتباك !”. وبالفعل توقف الحديث بكل مافيه من تجاذبات جميلة حيث كان هو ركنها الأساس، ولم يتوقف التفكير حينها على الرغم من محدودية كلماته عن الصداقة ودار في ذهني مباشرةً سؤال مضمونه ما ذا لو اعترى هذه الصداقة بعض الخلافات الحياتية هل ستعصف هذه الخلافات بصداقة تجاوزت الأربعين عاماً؟ وصعبت الإجابة في نفسي، ومصادفة عرضت حيرة استفساري على صاحب رأي ثاقب ولا أدري هل هو محق في كلامه حين أجابني إجابة صادمة..نعم ستنتهي تلك الصداقة إذا هبت رياح الخلافات بين الصديقين !

وفي ظل المتغيرات الاجتماعية الكبيرة المشاهدة، وطغيان المصالح والمنافع للأسف.. السؤال المفترض هل مازالت هناك صداقة؟وهل مازال هناك أصدقاء؟ والإجابة نعم، ولا نتشاءم كثيراً فهناك نماذج جميلة من الصداقة ما زالت قائمة وممتدة حتّى اللحظة بل تعتبر أنموذج يُقتدى به، ولكن ليس هنا المقصود الصداقات المحدودة العدد، وإنما المقصود الصداقات بصورة واسعة.. هل مازالت الصداقات موجودة بصورة كبيرة بين معظم الناس؟ وأن كل صديق يُقدم لصديقه كل ما في وسعه من تقدير ووفاء وحسن الظن، وأن هذه الصداقة حتّى في حال الخلاف تبقى صامدة راسخة، أما هي كواقع مجرد صداقة لحظية مثل: صداقة المصعد المتوقف فجأة في مكان ما والتي تكون المشاعر لمستخدميه في أصدق حالاتها وأرق تفاصيلها فالظرف هنا قاسٍ؛ نظراً لحضور الخوف والألم والتي تنتهي مع مرور الأيام ونسيان الذكرى المؤلمة وهذا ما لا يُرجى، وكل ما أخشاه على الصداقة والأصدقاء مثل ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى