عام

المثالية الكمالية (٢)

لماذا نرى المثاليين الكماليين أعصابهم مشدودة على الآخر حساسين لأبعد درجة، متوترين طول الوقت، مركزين على شيء واحد وهو المثالية فقط في شيء واحد، وفي باقي الأشياء للأسف لم ينجح أحد، غير ناجح مع أسرته وهي آخر اهتماماته غير ناجح مع أصدقائه؛ لأنه طول الوقت مشغول ومو فاضي للسوالف وتضييع الأوقات مع ناس بس تحب الوناسة، وكل أحاديثها عن سفراتهم.. طلعاتهم.. أنديتهم وحش في فلان وأمور تافهة مع تتناسب مع طموحه وهمته، لم ينجح كذلك مع صحته يتجاهل مؤشرات الأمراض، ويرفس الأعراض ويشد على نفسه أكثر من اللازم، وجسمه يصيح تلاحق نفسك تراني خلاص راح أنهار وتنهار معي، وتتحول لهيكل عظيمي هزيل، تحاصرك الوايرات وتلف جسدك النحيل لتسقيه ما يرد إليه صحته وعافيته، ولكن ربما تحولت إلى سبخة لا ينفع فيها النبت، وماتت أجهزتك وبقت مسألة وقت لإعلان الوفاة رسميًا، ورحل المثالي وراح لا ذاق من الدنيا حلاوة العيش فيها، وأخذ منها نصيبه كاملًا من الشقاء باختياره، وجاء من بعده واستلم مشاريعه وأعماله وإنجازه، وفطن لإدارتها واستثمارها وقيادتها، واستمتع بحصادها وبذكائه، تواصلت الإنجازات بمعية أعطِ كل شيء حقه، ووازن الأمور بعقلانية مع شيء من العاطفية تحلو لك صنيع ما قدمت، وتسعد النفس بما ترى، وتدفعك إلى المزيد من الإبداع والتميز في عالمك.

صاحبنا الجديد وريث المثالي ما شاء الله صار من أصحاب الإنتاجية المتزايدة ومستمتع جدًا في رحلة تحقيق الأهداف أكثر من استمتاعه بتحقيق الأهداف عكس المثالي الذي لا يعترف في حياته إلا بشيء واحد النتيجة النهائية فقط، صاحبنا الجديد مقتنع أنه يتعلم بشكلٍ مستمر في مدرسة الحياة الفشل أحد فصولها، والذي يؤهله لدخول فصول أخرى كفصل التجربة وفصل التدريب، وفصل الخبرة وفصل الصبر، وفصل الذكاء العاطفي والاجتماعي وفصل استشراف المستقبل، وفصل السعادة وفصل عش حياتك، وفصول أخرى في مدرسة الحياة.

من المثاليات البائسة المثالية في البحث عن شريك الحياة بمواصفات خيالية لا يمكن أن تجدها في شخص واحد حتى لو ذهبت لكل بقاع الدنيا، فقط ستجدها في عالم الأحلام والخيالات والمسلسلات والأفلام والروايات.

من المثاليات المنبوذة البحث عن موظفين سوبر السوبر بمواصفات عالية عالمية كمالية مثالية، تفوق الروبوتية وللأسف صاحبنا الذي يريد استقطاب موظفين بهذه النوعية للأسف هو ما عنده ربع من مؤهلات وخبرات وذكاء ومواهب المترشحين للوظيفة.

أترككم الآن مع بعض المقولات حول المثالية ومنها:-
1-الفيلسوف والمؤلف إميل سيوران: «أرجوك توقف عن ادِّعاء المثالية، لو كنت فعلًا بهذه الروعة، فتوقّف عن الحياة، لأنَّ هذا المكان ليس لك».

2-هنري لوبس مانكن يقول بأن المثالية .. هي أن يلاحظ شخص أن رائحة الورد أفضل من الطماطم فيستنتج أن حساء الورد سيكون أفضل.

3-أنيس منصور يقول بأن المثالية مثل شخص يقول عن نفسه قررت ألا أتزوج حتى أجد المرأة المثالية، ثم وجدتها ولكنها كانت تبحث عن الرجل المثالي.

4- الصحفية ماريا شرايفر تقول:
الكمال لا يجعلك تشعر بالكمال، بل يجعلك تشعر بعدم الكفاية.

5-نختم مع جول فرانسوا، أستاذ في السيكولوجيا الإيجابية،الذي يقول في كتابه “تعلّم أن لا تكون كاملًا”: إن الإنسان الباحث عن الكمال لا يستفيد من النجاح لأنه يكون دائمًا غير راضٍ عما يحققه فبمجرد بلوغه الهدف يسعى إلى هدف آخر، ولا يستمتع بما حققه من نتائج في الهدف السابق، كما أن العيش في العالم المثالي يدفع الإنسان أن يتنكر الألم والحقائق الواقعية بالتالي لا يعتبر الألم والأحداث المؤلمة جزءًا طبيعيًا من الحياة، وهذا يسبب له الإحباط، وأحيانًا الاكتئاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com