المقالات

تصريح الحج… أهميته وفوائده

الحمد لله القائل: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} (آل عمران: 97)، وصلى الله وسلم على نبينا محمد القائل: «الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً» رواه مسلم.

إن من عظمة دين الإسلام ورحمته بالناس، أن جعل الأحكام الشرعية مبنية على القدرة والاستطاعة، فجاءت نصوص وقواعد الشريعة الإسلامية وكلياتها بمراعاة مصالح الناس ومنافعهم، ومحاربة وتقليل ما يفسد عليهم دينهم ودنياهم.

فمناط التكليف هو القدرة والاستطاعة، وإلا كان في ذلك تكليفٌ بما لا يُستطاع ولا يُطاق، وحاشا شريعة الإسلام السمحة، المبنية على السعة والرحمة واليسر، أن تُوصَف بذلك.

وإن مما يُسأل الناس عنه في مثل هذه الأيام “تصريح الحج”، وحكم استخراجه لأداء فريضة الحج في الإسلام. والناظر المتأمل في “تصريح الحج”، يجد أن هذا الإجراء لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية وقواعدها وضوابطها، بل هو عملٌ إجرائيٌ تنظيمي، شأنه شأن بعض الإجراءات التي تهدف إلى الحفاظ على أرواح الناس وممتلكاتهم، وتمكّنهم من القيام بأعمالهم وأداء مهامهم.

ولا شك أن كل ما من شأنه الحفاظ على الناس، ومصالحهم، وتيسير أمورهم، وإتمام نسكهم، فهو مطلبٌ شرعيٌ يتوافق مع روح الشريعة وأحكامها. فتصريح الحج ليس، كما يظن بعض الناس، إجراءً لمنع الناس من أداء فريضة الحج، بل هو وسيلةٌ تمكّنهم من أدائها على أكمل وجه وأحسنه.

وهذا الإجراء – تصريح الحج – من الأمور الموكلة إلى ولي الأمر ونوّابه، الذين يعرفون ويُوازنون بين المصالح والمفاسد، ويدركون مآلات الأمور وما يترتب عليها من إصلاح أو فساد.

بل ينبغي أن يُنظر إلى تصريح الحج كأمر واقع، ويُدرج ضمن بند القدرة المالية والبدنية. فإذا كان من لا يملك تصريحًا يفقد كثيرًا من الخدمات الضرورية المساعدة على أداء المناسك، فالفتوى بأنه غير قادر هي فتوى صحيحة، ومسددة، جارية على سنن الفقه. ومن ثم، فإن القول بعدم وجوب الحج عليه – لا سيما كبار السن والضعفاء ومَن لا قدرة له على تحمّل تكلفة التصريح – هو قول راجح وفيه توسعة ورحمة.

وينبغي للناس أن لا يُقدِموا على أداء العبادة إلا بإعداد عدّتها، والأخذ بأسبابها. وهذه البلاد – أعني بها المملكة العربية السعودية، حفظها الله – هي المعنيّة، بفضل الله وتوفيقه، بتسيير شؤون الحج وما يتعلق به من تنظيمات وإجراءات، وقد شهد القاصي والداني بأنها بذلت أقصى الجهد في رعاية مصالح الناس وتيسير منافعهم وتجنيبهم ما قد يعيق أداء الفريضة.

ولذا، فإن طاعة ولي الأمر في مثل هذه الإجراءات هي طاعة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].

فعلى كل مواطن ومقيم وزائر لهذه البلاد أن يتعاون مع الدولة في إتمام موسم الحج، وأن يحرص على كل ما من شأنه إنجاح هذا الموسم العظيم. فنجاح موسم الحج هو نجاح وتوفيق من الله في أداء عبادة عظيمة من عبادات الإسلام، وركن من أركانه الخمسة.

ومن الجدير بالتنبه له، أن من شكر الله على نعمته، أن نشكر مَن أحسن إلينا، فقد جاء عن نبينا صلى الله عليه وسلم قوله: «…ومن صَنَع إليكم معروفًا فكافِئوه، فإنْ لم تَجِدوا ما تكافِئونه فادْعُوا له حتى تَرَوا أنكم قد كافأتموه» رواه أبو داود.

فكم من معروف وخير قدمته المملكة العربية السعودية للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وخاصةً للقادمين إلى أراضيها لأداء فريضة الحج. فكتب الله أجرهم، وأجزل لهم عظيم المثوبة، وحفظ الله دولتهم، وحفظ خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، وكفّ عنهم شرّ عدوهم وحاسدهم.

• أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون – جامعة تبوك

أ. د. ناصر محمد العبيدي

استاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة والقانون جامعة تبوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى