المقالات

تداخل الاختصاصات يُعرقل التنمية

لعل من أهم وأخطر الإشكاليات التي تواجه العمل الإداري هي إشكالية تنازع أو تداخل الاختصاصات، ففي علم الإدارة يجب أن يكون هناك أهداف ومهام واختصاصات لكل طرف، بمعنى أن يكون لكل وحدة إدارية ولكل موظف مهامه الواضحة واختصاصاته المعروفة، مما يمنع الازدواجية في إنجاز الأعمال، كما أن العمل أو المهمة إذا أسندت إلى أكثر من شخص، فإن ذلك قد يؤدي إلى التنصل من المسؤولية وتدني مستوى الإنتاجية.
وقد يتفاقم الأمر إذا ما اتسعت دائرة هذه الإشكالية، وأصبحت على مستوى المنشآت التي تتشابه خدماتها وتتداخل اختصاصاتها، مما قد يتسبب في تأخير إنجاز المشاريع وإعاقة العمل، وخلق لنوع من الصراع فيما بين الجهات المقدمة للخدمات.
إن الدولة – حماها الله – تخصص في ميزانيتها العامة مبالغ كبيرة للوزارات والجهات الحكومية لتلبية متطلباتها وتمكينها من تنفيذ مشاريعها وبرامجها وفق جودة عالية، إلا أن تداخل الاختصاصات – في بعض الأحيان – يشكِّل ضغطًا كبيرًا على تلك الجهات، وأقصد بتداخل الاختصاصات، عندما يقوم أكثر من جهاز حكومي بتقديم خدمات متماثلة للمستفيدين.
ومثال على ذلك أتحدث عن الجهات الخدمية في مكة المكرمة بصفة خاصة، فهناك عدد من الإدارات والجهات الحكومية المستقلة، والتي تقدم خدمات متماثلة ومتداخلة، على سبيل المثال هناك تداخل بين اختصاصات أمانة العاصمة المقدسة ووزارة النقل في تنفيذ بعض المشاريع، وكذلك ما بين الأمانة ووزارة البيئة والزراعة في تغيير أو نقل بعض الاختصاصات، مثل الإشراف على المسالخ وأسواق الخضار ومراقبتها، أضف إلى ذلك هناك جهات عُليا مثل الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة وهيئة التطوير … ناهيك عن الشركات والمؤسسات المتعاقدة، والتي قد تقوم بنفس الأدوار وتشرف على أداء نفس المشاريع أو الخدمات، مما يؤدي إلى عدم وضوح الرؤية، وبالتالي هدر الوقت والجهد والمال!
وفي الواقع فإن وجود تداخل وتنازع في الاختصاصات وتشابك في المهام والمسؤوليات بين قطاعات الدولة ومؤسساتها – ولو بنسبة يسيرة – وعدم وضوح الأدوار بشكل دقيق، هي إشكالية كبيرة تُشير إلى وجود خلل جوهري في تنظيم وتوزيع الأدوار بين المسؤولين، وقد تؤدي إلى آثار سلبية كتدني جودة الخدمات وانخفاض الإنتاجية والتركيز على الإجراءات أكثر من المُخرجات، وتعطيل التنمية وعرقلة الأداء بشكل عام، وربما التهرب من المسؤولية في بعض الأحيان.
وفي اعتقادي أن تحديد المهام والمسؤوليات وتعريفها التعريف الواضح والدقيق هو جوهر الإدارة وعماد نجاحها، ويمكن القول إن الاختصاصات هي المحرك الرئيسي لأي قرار في مؤسسات الدولة، وهو ما يتطلب من كل مؤسسة تعريف وتحديد نوع المهام المطلوب إنجازها.
ولكي يتم حصر وتحديد المهام والاختصاصات المطلوبة لكافة مؤسسات الدولة وتوزيعها التوزيع المناسب لا بد أن تنطلق من مجموعة مبادئ إدارية أساسية لعل أهمها تجميع الاختصاصات والمهام المتشابهة وصياغتها عبر نصوص واضحة، وتحديد جهة لكل اختصاص تكون هي المشرفة الوحيدة عليه لضمان نجاح المؤسسة وتسهيل مهامها، كما أنه من الضروري أن يدرك القائمون والمسؤولون في كل جهة أهمية تحمل المسؤولية، وإمكانية تحديد الجهة المسؤولة في حال الإخفاق، كما يجب الفصل بين الرئيس التنفيذي والرئيس الإداري وتحديد اختصاصات كلٍ منهما على النحو الذي يحقق مبدأ التوازن؛ بحيث لا يسمح لأحدهما بالانفراد في اتخاذ القرار، وكذلك لا يتم الفصل الكلي بينهما، وإنما هي علاقة مؤسساتية تكاملية تربطها مهام مشتركة على أسس التخصص والمسؤولية.
إن التداخل في الاختصاصات ليس بالأمر الجديد، فهي حالة قديمة بين العديد من الإدارات والقطاعات، وهناك جهود تبذل بين الحين والآخر لإعادة صياغتها بما يتناسب مع الأوضاع الراهنة، إلا أن تأثيراتها لا تزال تُشكل حجر عثرة في طريق جهود القطاعات الحكومية، وتطويرها المنشود، إذ إن التنمية تعتمد بشكل أساسي على الإدارة الفاعلة للقطاع الحكومي، وتحسين أداء الوزارات والجهات الحكومية؛ وذلك من خلال تحديد المهام والاختصاصات، ومعالجة التداخل والازدواجية التي تواجه بعض الإدارات الحكومية.
وختامًا.. أقول إن ما ذكرته من واقع خبرتي المتواضعة، وهو رأيي الشخصي الذي أعتقد أنه صواب قد يحتمل الخطأ.
وأسأل الله سبحانه أن يُلهمنا الصواب في القول والعمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com