﴿وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾
تُذكّرنا هذه الآية العظيمة أن في جوهر العلاقات الإنسانية ما هو أعمق من الكلام،، إنه الوفاء، وردّ المعروف، وحفظ الجميل، ولو لم يُطلب.
لكن حين تعيش في عالمٍ يتآكل من داخله، تكتشف أن البقاء لا يعني الحياة، وأن الناجين لا يشبهون أحدًا. تمرّ بتجارب تُنفق فيها من روحك، تُعطي دون قيد، وتصمت حين يعلو صوت الجحود،
فتدرك أن الحياة لم تعد تعني النجاة فقط، بل إن الحياة والنجاة
أصبحتا مهارة، يتقنها القليل،
ويتهاوى فيها الكثير. في زمنٍ يعلو فيه صوت الأنانية، ويهوي فيه التقدير، يبدو أن البقاء رواية لا تُكتب مرتين، وأن من يُحسن البقاء، لا يعيش كما عاش من قبله،
بل ينسج تجربته على حافة الألم، بصبرٍ صامت.
تُعطي وتُنسى.تُكرم وتُقصى. تُقدّم الخير، ولا يُرى. لكن الحقيقة؟
أنك لست وحيدًا. فكثيرون يمشون مثلك فوق الزجاج، ويحملون قلوبًا نقية في زمنٍ يعاقب الطيبين.
هؤلاء هم عبّاد البقاء في عالمٍ ينهار، الذين لا يصيحون، لا يشكون، لكنهم يُواصلون..
بثبات الصادقين. أما سرّ الذين لا يسقطون، فهو أنهم تعلّموا كيف
يرمّمون قلوبهم بأنفسهم، وكيف لا ينتظرون الشكر، بل يكتفون بأن الله يرى، ويعلم، ويجزي. قال تعالى:
﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾
و**﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾**
بين أن تعيش وأن تبقى، يُختبر الإنسان في نُبله، في صمته، في قدرته على أن يُحبّ رغم الألم، وأن يُكرم رغم القسوة، وأن يُعطي رغم الخذلان. اللهم اجعلنا من أولئك الذين لا يسقطون، من الذين يزرعون الخير سرًا،
ويحفظون المعروف صدقًا، ويحملون نورهم دون ضجيج،
في عالمٍ يختبر النقاء كل يوم.

0