في زمن التحوّلات الكبرى، تُثبت المملكة العربية السعودية يوماً بعد يوم أنها دولة قادرة على النهوض بذاتها، والتخطيط لمستقبلها، وتحقيق أهدافها الطموحة بثقة واستقلالية. لقد أدركت القيادة السعودية، منذ إطلاق “رؤية المملكة 2030″، أن الاعتماد على النفط وحده لم يعد كافيًا، وأنه لا بد من تنويع مصادر الدخل، والاستثمار في الإنسان، وبناء اقتصاد مستدام يليق بدولة بحجم المملكة، مكانةً وتاريخًا ودورًا. إلا أن هذا التقدم السريع والتحول الشمولي في كافة مناحي الحياة – من الاقتصاد إلى الثقافة، ومن التعليم إلى التقنية، ومن السياحة إلى الاستثمارات العالمية – لم يمر مرور الكرام لدى بعض الأصوات في العالم العربي، والتي باتت تهاجم المملكة من منطلقات ضيقة، تُغذّيها مشاعر الغيرة أو العجز أو حتى التوجيه الإعلامي المُمنهج من جهات لا تُريد للمنطقة الاستقرار ولا للازدهار أن ينتقل من “النية إلى الفعل”.فمن بين أبرز الانتقادات التي تواجهها المملكة في الآونة الأخيرة، تلك المتعلقة باستثماراتها الضخمة في الولايات المتحدة الأمريكية ودول العالم المتقدم. ويتساءل بعض المنتقدين، خاصة من الأشقاء العرب، لماذا لا تُوجّه هذه الاستثمارات إلى الدول العربية بدلاً من “دول الغرب”؟ وهنا تكمن مغالطة كبرى، يغفل عنها – عن قصد أو عن جهل – هؤلاء المنتقدون.
أولاً، لا بد أن نؤكد أن المملكة دولة ذات سيادة كاملة، ومن حقها أن تُوجّه استثماراتها حيث تقتضي المصلحة الاقتصادية العليا، وفق دراسات جدوى واستراتيجيات مدروسة. فالاستثمار ليس إحساناً ولا منحة، بل أداة للنمو والتوازن المالي، ويجب أن يُبنى على المخاطر والعوائد لا على العواطف.
ثانياً، إن المملكة لم تقصّر يوماً مع أشقائها العرب، بل ضخت خلال العقود الماضية مئات المليارات من الدولارات على شكل مساعدات ومنح وقروض وتنمية في مختلف الدول العربية. وتشير إحصاءات منظمة التعاون الإسلامي وصندوق النقد العربي، إلى أن السعودية كانت ولا تزال أكبر مانح عربي للدول العربية المحتاجة، دون منّة ولا فرض شروط.لكن الحقيقة المُرة أن كثيراً من هذه الدول فشلت في استثمار تلك المساعدات، بسبب الفساد، أو سوء الإدارة، أو غياب الخطط التنموية. فهل يُعقل أن تُحاسَب المملكة على إخفاقات لم ترتكبها؟ وهل المطلوب من السعودية أن تُعيد الكرّة مراراً وتكراراً مع ذات النتائج المتواضعة؟
من المؤسف أن تتحول بعض الوسائل الإعلامية العربية إلى منصّات تُهاجم المملكة، وتُقلل من شأن إنجازاتها، رغم إدراكها أن السعودية هي قلب العالمين العربي والإسلامي، وهي راعية الحرمين الشريفين، وصاحبة سياسات سلمية رشيدة لا تحبّ التصعيد ولا تتدخل في شؤون الآخرين. بل إنها حتى في عطائها، تُعطي من تلقاء نفسها، وبنية طيبة، لا من باب الإلزام أو الوصاية.
إلا أن بعض الأنظمة والشعوب العربية اعتادت على نمط معين من الدعم السعودي، حتى باتت تعتبره حقاً مكتسباً و”عرفاً دائماً”، دون أن تواكبه بنى اقتصادية أو إصلاحات حقيقية في الداخل. وعندما قررت المملكة أن تُركّز على أولوياتها الوطنية ورؤيتها 2030، ثارت تلك الأصوات وهاجمت القرار، بدلًا من أن تُراجع ذاتها وتُقلّب دفاترها الداخلية.
فرؤية المملكة 2030 لم تعد مجرد أحلام أو شعارات. فبحسب تقارير رسمية ودولية: ارتفعت ولله الحمد مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي بنسبة أكثر من 50% منذ إطلاق الرؤية. وكذلك تجاوز حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المملكة حاجز 30 مليار دولار سنويًا. كما وُصفت الرياض الحبيبة بأنها أسرع العواصم نموًا في الشرق الأوسط، ومركز مالي عالمي ناشئ.
كما صنفت منظمة السياحة العالمية السعودية ضمن أعلى 10 وجهات نمواً سياحيًا في العالم. بالإضافة إلى ذلك، تضاعف عدد المواطنين العاملين في القطاع الخاص خلال 5 سنوات بنسبة تجاوزت 80%.
فهذه الإنجازات، وغيرها كثير، تُقلق من لا يُحب أن يرى السعودية في المقدمة، أو من تعوّد على أن تكون المملكة فقط دولة مانحة دون أن يكون لها مشروع نهضوي واضح.
ختامًا ، اقول المملكة العربية السعودية ليست مسؤولة عن تأخر الآخرين، ولا تتحمل فشل الدول التي لم تحسن إدارة مواردها وتراكم ديونها. وهي ليست وصية على أحد، لا شعوبًا ولا حكومات. ما تقدمه من دعم، تقدمه بحبّ لا بإجبار، وبدافع الأخوّة لا التبعية. ومن حقها أن تواصل مسيرتها نحو مستقبل يليق بها وبشعبها، دون أن تلتفت إلى ضجيج المتشنجين أو سهام المثبطين.فالتقدّم ليس جريمة، والرؤية ليست ترفًا. ومن أراد أن يتطور، فليبدأ من ذاته، لا من انتقاد من سبقوه.

1
دكتور تركي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اري والراي لك ان تتطرق للحج وما يتم صرفه من الدوله حفظها الله وتوضيح مايصرفه الحاج وبالذات حجاج الخارج حيث لديهم اعتقاد ان الدوله تستثمر في اموالهم ولايعلمون ان حكامنا رعاهم الله يبذلون الغالي والنفيس لخدمة الحرمين الشريفين