المقالاتعام

المخالفات المرورية القديمة عبءٌ يستحق المعالجة

تراكم المخالفات المرورية المسجلة على بعض المواطنين، خصوصًا من فئة الشباب والعاطلين عن العمل وبعض كبار السن، وفقًا لما بلغني، أن بعضهم مطالب بعشرات الآلاف، إن لم تتجاوزها إلى المئات، حتى إن بعضهم لا علاقة له بالقيادة، بل إنه ضحية استغلال من ابن أو زوج، سُجلت السيارة باسمه دون أن يكون له أي علاقة.

الأمر الذي جعل من تلك المخالفات، مع مرور الوقت، تتحول من مجرد غرامات مالية إلى عائق حقيقي يحول دون ممارسة الحياة بشكل طبيعي.

ورغم أن الدولة -أيّدها الله- منحت المخالفين فرصة الاستفادة من منحة الإعفاء (50%)، استفاد منها البعض، وحُرم منها آخرون لعجزهم عن توفير المبالغ المطلوبة منهم لضخامتها وفقرهم.

ونظرًا إلى أن بعض تلك المخالفات قد مضى عليها سنوات عدة، فإن التأخر عن السداد للمرة الأولى مع عدم المتابعة والمحاسبة جعلها تتضاعف، فازدادت تراكمًا وتكرارًا.

وأحسب أن بعض ما رُصد وسُجّل من مخالفات في مرحلة ما قبل تطبيق “ساهر”، لم يكن يتعلق بالسلامة المرورية (كرصد السرعة أو تجاوز الإشارة مثلاً)، بل من المخالفات الثانوية، كتحميل الركاب أو التأخر في تجديد رخصة السير أو القيادة، باعتبار أن ذلك كان أمرًا سهلًا لبعض رجال المرور، إذ يكفيه أن يقوم بالتفتيش والتسجيل.

وقد أصبحت تلك المخالفات عائقًا للكثيرين عن العمل أو التصرف، وهذا أمر سلبي يُمثّل عبئًا اجتماعيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا ينبغي النظر إليه بعين الإصلاح.

فهذه القيود قد تسببت في إلحاق أضرار بمن سُجّلت عليهم هذه المخالفات. وقد أخبرني أحدهم بأنه، بسبب عدم تجديد رخصة قيادته، حُرم من التعويض من شركة التأمين في الحادث الذي وقع له، رغم أن التأمين ساري المفعول والرسوم مدفوعة، لأن الشركة تشترط أن تكون الرخصة مجددة ليتم التعويض.

كما أن المخالف لا يحق له بيع سيارته ليتمكن من سداد ما عليه من غرامات، أو يشتري، أو يُقبل طلبه في مراكز التدريب إلا بعد السداد.

ولذلك، فلابد أن يكون هناك حل، وخصوصًا للمخالفات القديمة والمرصودة سابقًا، بعمل تصفية حتى يبدأوا حياة جديدة، وخصوصًا أن المطالبين في الغالب معدمون.

ولذلك أقترح الآتي:

أولًا: تطبيق القاعدة الشرعية (تداخل العقوبة)، بأن يُعامل من عليه مخالفات عدة سابقة من نوع واحد -كتجاوز الإشارة مثلًا- بالاكتفاء بواحدة منها.

ثانيًا: استبدال الغرامات بالعقوبات البديلة، كالتطوع في خدمة المجتمع، بنظافة المساجد والشوارع وغيرها من الأعمال التي تخدم المجتمع، مما يمثل رادعًا.

ثالثًا: أن يكون من ضمن العقوبات لهؤلاء المتخلفين عن السداد، إلحاقهم بدورات تأهيلية في مدارس القيادة كشرط لتفعيل رخصة القيادة.

رابعًا: ربط خفض الغرامات بحفظ القرآن الكريم، والتسجيل في دورات إصلاحية سلوكية وأخلاقية، لتهذيب السلوك وتشجيع الجانب القيمي.

خامسًا: تطبيق مبدأ “وقف تنفيذ العقوبة” للمخالفات السابقة كشرط لعدم تكرار المخالفة خلال فترة محددة، بحيث إذا تكررت تُفعّل العقوبات السابقة، مما يحقق الانضباط.

سادسًا: المعاملة بالمثل عند تكرار المخالفة، فإذا صدرت من السائق مخالفة جديدة، يمكن إلزامه بسداد ما يماثلها من مخالفاته السابقة، كنوع من التصعيد التدريجي في العقوبة.

سابعًا: ينبغي ألّا تكون الغرامات المالية سببًا في الحرمان من العمل، بحيث يتم استيفاؤها بعد التحاقه بالخدمة في القطاع الخاص أو العام.

ثامنًا: لابد من إعادة النظر في موضوع تجديد الرخصة والتأمين؛ فليس من المعقول المحاسبة على عدم التأمين في الوقت الذي يُحرم فيه من التعويض لأن الرخصة غير مجددة.

تاسعًا: إذا كان ولابد، يمكن إعطاء فرصة للمخالفين بجدولة الغرامات وتقسيطها على شكل دفعات يُراعى فيها دخل المخالف وظروفه المعيشية.

إن معالجة قضية المخالفات المرورية، خاصة المتراكمة، لا تعني التساهل مع المخالفين في السابق، بقدر ما تعني فتح نافذة أمل لإصلاح من تعثرت بهم الظروف ليعودوا إلى المجتمع منتجين ومساهمين في تنميته، بدلًا من بقائهم معلقين في قوائم لا حراك فيها.

ولذلك، فإن المرونة في المعالجة لا تقل أهمية عن الأنظمة الصارمة، بل تُكملها وتمنحها بعدًا إنسانيًّا وعمليًّا. ولهذا، فإنني آمل من الجهات المعنية دراسة هذه المقترحات وتبني ما يمكن تطبيقه منها تحقيقًا للمصلحة العامة ودعمًا للاستقرار الاجتماعي، خاصة أن المتضررين في الغالب هم مواطنون ومن ذوي الدخل المحدود.

والله من وراء القصد.
شرطة العاصمة المقدسة / سابقًا

اللواء م. محمد سعيد الحارثي

مدير شرطة العاصمة المقدسة - سابقًا

مقالات ذات صلة

‫13 تعليقات

  1. مشكله قديمه وتم التعايش معها لماذا الان تم تصعيبها بهذا الشكل حتى توقفت معها الحياه
    الحلول جميله ومقبلوله واقترح انها تبقى غرامات ماليه وبدون قيود وتنحصر في وقف الخدمات المرتبطه بالمرور فقط مثل شراء سياره وليس بيعها او تجديد الوثئاق المروريه فقط

  2. بيض الله وجهك وجزاك الله خير الجزاء نظرية حس مواطن قبل ان تكون مسؤلا مرموقا سابقا عن وطنه وداعما للمواطن
    كلام سليم ولا كلفت الدوله بها شيئا بما انها اتيه من العدم شكرا لك ابا هاني

  3. بارك الله فيكم سعادة اللواء وموضوع مهم لابد من معالجته …وغالبا مايتعلق بالفقراء ومحدودي الدخل …ولا شك أن بعض المدينين كان ضحية لتصرف إبن متهور أو زوج متسلط ..فلعل الموضوع يعالج من قبل ولاة الأمر بارك الله فيهم وأكرر الشكر لصاحب المقترح وفق الله الجميع .

  4. سعادة اللواء محمد .ماقصرت حلول جذرية تحل جزء ولو بسيط من المبالغ المتراكمة على بعض فئات المجتمع . اود ان اضيف لما تفضلت به التبرع بالدم في بنوك الدماء،بالمستشفيات قد يكون فكرة فعالة يعني تتبرع اكثر من مرة تسقط عليك اكثر من مخالفة . وفقنا الله واياكم لما يحب ويرضى .

  5. جزاك الله خير الجزاء وبارك فيك
    سعادة اللواء /محمد
    شكراً لك على هذا الطرح والفكرة الجميلة
    وأنا أيضاً من المتضررين من النظام المعمول به حاليأ
    أنا رجل أمن متقاعد من قطاعات الأمن العام في مكة خدمتي تجاوزت 28 سنة وعمري الأن تجاوز 60 الستين عام وأرغب في الفسر مع أسرتي كل عام ولكن المخالفات المسجلة علي حرمتني من السفر لأن ليس لدي جواز سفر جديد لأن الجواز القديم منتهي وفقد مني من أكثر من 25 سنة بسبب التنقلات من سكن
    لسكن وعلي قسائم بحوالي 35 الف ريال
    فأرجو النظر في وضعي ومثلي كبار السن
    والله إني محروم من السفر والرخصة والإستمارة أيضاً منتهية

  6. موضوع جميل ورائع ويستحق الاهتمام من الجهات المسؤوله
    فهناك كثير من الشباب يعانون من هذه المشكلة وخاصة أن بعض المخالفات لها سنوات أرهقت أصحابها نفسيا وماديا
    نتمنى أن يصدر إعفاء شامل عن جميع المخالفات السابقة .
    ويتم تشديد العقوبات على أصحابها في حالة تكرارها

  7. صحيح وتسلم على الطرح استاذنا الفاضل
    انا ممن يعانون من تراكم المخالفات وهي بعشرات الالوف مع العلم اخر مخالفه كانت قبل عشره سنوات تقريبا .

  8. علية مخالفات مرورية قديمة مبلغ 550.600.00الف واغلب اهل مكه يعرفون هاذا اامبلغ
    مسجل يرقم هويتي….وأنشاء الله انها تفرج ..؟؟

  9. علية مخالفات مرورية قديمة مبلغ 550.600.00الف واغلب اهل مكه يعرفون هاذا اامبلغ
    مسجل يرقم هويتي….وأنشاء الله انها تفرج ..؟؟

  10. اضافه إلى ماقيل
    إعفاء المواطنين من رسوم تجديد الاستماره والرخصة والنقل لأنها مبالغ كبيره ولا فيه فايده منها للمواطن او خفضها ٥٠ ريال لتجديدها والدوله لها مصادر دخل اخرى

  11. بارك الله فيك سعادة اللواء
    وكثر من امثالك .
    قابلتك شخصيا قبل ٣٢ سنه واقسم بالله انك من افضل الضباط الذين تعاملت معهم اخلاق واحترام وتواضع .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى