أخبار العالماقتصادتحقيقات وتقاريرعام

قرية “طنان” قلعة صناعية مصرية تصدر منتجاتها لدول العالم

واجهت غلق مصانع النسيج فنجح أهلها في قهر البطالة بـ"صناعة الأثاث"

محمد بربر

 

نموذج فريد في الإصرار والعزيمة، نشاط وحماسة وجد رغم الصعاب، والجميع يعمل مواجهًا العقبات التي تواجه الصناعة، ومحاولًا المنافسة رغم محدودية المكان، هنا قرية “طنان” التي نجحت في قهر البطالة وأصبح لها مكانًا مهمًا على خريطة الاقتصاد المصري، يتميز أهلها بحب العمل والكرم والسعي نحو الرزق.

على بعد 30 كيلو متر من بنها عاصمة محافظة القليوبية المصرية تقع القرية التابعة لمركز ومدينة قليوب والتي أصبحت في سنوات معدودة من أشهر قرى المحافظة نظرًا لتميزها في مجال صناعة الأثاث ووجودها في حركة التصدير، لكن الأمر لم يكن سهلًا على الإطلاق.

يسرد العم رؤوف الموجي، صاحب معرض لبيع الأثاث القصة منذ بدايتها “طنان كانت قرية منعزلة وأهلها في حالهم وكان أهم مكان فيها هو مصنع الغزل والنسيج اللي كان موجود من 60 سنة وبدأ بعد ثورة 52 يبقى فيه مصانع نسيج كتير تقريبًا كل أسرة كان عندها مصنع وبيشتغل فيه عمال من داخل وخارج القليوبية ومصنع أسرتنا كان فيه عمال من حلوان وبورسعيد والسويس، ومع نهاية الثمانينيات تجاوز عدد المصانع 4 آلاف مصنع لكن في ظل الظروف الصعبة ضاقت المهنة وتوقف البيع ومن ثم الإنتاج وتم تسريح العمال وفجأة القرية أصبحت تواجه كارثة اقتصادية والهموم على كل الوشوش وده بداية من العام 1995 وحتى 2001”.

يضيف الموجي وهو يبتسم “أصبح العمال اللي عندهم أسر في مأزق كبير، وبدأ الاتجاه لمهن أخرى، البعض اتجه للزراعة بعد غلق المصانع وفيه ناس سافرت للخارج وناس قررت تفكر خارج الصندوق وأنا منهم، وكنا 8 أشخاص فقط قررنا نستعين بخبرات صناع الأثاث لفتح ورش ومعارض، وبدأنا نشتري من دمياط ونسافر هناك كتير كل واحد همه يتعلم ويفهم وقدرنا نفتح ورش وأصبحنا نشتري الخامات من أماكن تانية بمرور الوقت وخصوصًا الخشب وبنشتريه من الإسكندرية واكسسوارات الموبليات بنشتريها من القاهرة، بدأت الناس تعرف القرية وتحب تشتري منها علشان أمرين الأول جودة المنتجات وقربها من الزباين والتاني انخفاض أسعارها مقارنة بالأثاث الدمياطي أو الموجود في معارض القاهرة”.

 

“طنان” قلبت الموازين رغم العقبات

 

يكمل أحمد هيبة “مهندس” وصاحب معرض أثاث الحديث موضحًا أن القرية اليوم تحولت إلى قلعة كبيرة لصناعة وتجارة وتصدير جميع أنواع الأثاث، وهو الأمر المدهش للكثيرين خصوصًا وأن العائلات معظمها منذ حوالي 15 عامًا كانت تعاني من أزمة اقتصادية ولم تكن هذه هي المهنة السائدة، ويتابع “نجحت طنان في أن تحتكر هذه الصناعة، أكثر من 200 ورشة في قرية داخل مركز فضلا عن 500 معرض للأثاث ومعظم الأهالي هنا بيشتغلوا في المهنة دي وحتى فيه سيدات بتشارك في صناعة أو دهان الأثاث، فيه حرف تكميلية ظهرت زي بيع الاكسسوارات والكماليات زي المقابض المعدنية وأقمشة التنجيد والخامات وفيه بنات بتنزل تبيع للورش والمعارض وفيه اللي قدر يفتح محلات، والشباب بيشتغلوا في الورش أو في نقل الموبليات أو في المعارض، مفيش حد عاطل هنا، ورغم تخرجي من كلية الهندسة لكن فضلت أكون مع والدي في المعرض علشان أساعده”.

 

“خلية نحل”.. تصدر منتجاتها وتنافس بقوة

 

نجحت طنان القرية البسيطة أو “خلية النحل” كما اشتهرت عند أهالي القرى المجاورة في أن تجذب آلاف الزبائن ليس فقط على المستوى المحلي بل ومن دول عربية وأجنبية، يقول محمد العشماوي “زارني في ورشتي ناس من الخليج وعجبهم الشغل وصدرت حوالي 5 آلاف مقعد خشبي وكنت بشغل معي 8 ورش أخرى والخير كان كتير، وناس غيري صدرت واحنا بندفع ضرايب للدولة وبندخل عملة صعبة وبنحقق مكاسب كبيرة للاقتصاد الوطني لكن محتاجين حد يسمع مشاكلنا علشان السوق مبقاش زي الأول، واحنا كان عندنا صناعة وانهارت ومش عايزين ندفن بإيدينا أكل عيشنا، كفاية مصانع النسيج اللي راحت”.

في هذه القرية بمجرد دخولك إليه تجد أمامك عمارات أشبه بناطحات السحاب، طوابق متعددة كلها تستخدم كمعارض للأثاث وكل طابق لنوع يختلف عن الآخر، يقول العشماوي “رغم تفاوت الأسعار إلا أن (طنان) اشتهرت بمنافسة دمياط في استخدام الميكنة وكثرة الإنتاج وتميزت بخفض السعر، وأصبحت سوقًا كبرى لكن أسعار الخامات لا تطاق، ومتر الخشب الزان وصل إلى 10 آلاف جنيه فضلا عن الأبلكاش ومواد الدهان وخامات التصنيع وكماليات التشطيب، وبعد ما كنت غرفة النوم الممتازة يتراوح سعرها من 7 آلاف إلى 10 آلاف حسب الموديل والجودة يمكنك الآن أن تحسب الفرق لأن الخامات تضاعفت في 6 أشهر فقط ثلاث مرات، وللأسف الناس مش بتبيع ومش لاقيين زباين زي الأول، كنت ممكن تبيع في الشهر 30 غرفة النهاردة تتمنى تغطي مصاريفك”.

 

مطالب بدعم الصناعة وتدريب طلاب المدارس الفنية

 

في “طنان” الجميع يرتبط بصناعة الأثاث، عمال في الورشة وباعة في المعرض وأصحاب سيارات للنقل وعلى الرغم من وجود مساحات ضخمة في الأراضي الزراعية تحولت إلى ورش لكن حالة من الثراء تظهر في معظم المعارض تكسبها الكثير من الثقة، لكن الأثاث الصيني بات يهدد القرية كلها، يوضح لطفي الوحش “صاحب معرض للأثاث” الأزمة بقوله “لا يوجد عاطل واحد في القرية واحنا زي ما بيقولوا علينا خلية نحل لكن مع وقف الحال وارتفاع أسعار الخامات وغلاء المعيشة لقينا الناس بدأت تتجه لشراء الموبليا الصيني وانتشرت بشكل كبير في شوارع القاهرة والقليوبية وحتى في المحافظات الأخرى، لأنها رخيصة لكن عيوبها معروفة ومفيش مقارنة بينها وبين شغلنا لكن فيه ناس مش بتقدر تشتري”.

وطالب الوحش الحكومة إلى دعم قرية طنان وخصوصًا صناع الأثاث فضلا عن الاهتمام بالوحدة الصحية بالقرية ورصف الشوارع وتطوير شبكة الصرف الصحي، كما دعا إلى عقد بروتوكول لتدريب الطلاب في المعاهد الفنية على النجارة والخراطة والحرف التكميلية المتعلقة بصناعة الأثاث في فترة الإجازة نظرًا للحاجة إلى أيدي عاملة ماهرة، واختتم حديثه بالقول “طنان قرية نموذجية لكنها تحتاج مساعدة الحكومة لتطوير ودعم الصناعة بها”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى