
القاهرة – محمد بربر
مجتمع جديد يتشكّل، ليحافظ على الهوية المصرية الخالصة، ويبحث عن آمال نحو تحقيق منجزات حقيقية تليق بالجمهورية الجديدة، وفي القلب منه يأتي المثقفون الذين يشكلون عنصرًا رئيسًا وفاعلا، في بناء الإنسان والعمران، وتظل الآمال معلقة عليهم في صناعة الوعي ومواجهة الجهل، لكن ما دور الثقافة والمثقفين في بناء الجمهورية الجديدة؟
في السطور التالية، نتعرف على آراء تكشف لنا عن الكثير من أحلام المثقفين وتطلعاتهم.
بث الإيجابية ومحاربة الجهل
في البداية، يقول الدكتور وائل الصعيدي، مدرس الأدب العربي في جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية بالصين، إن بناء المجتمعات ليس بالأمر الهيّن، وإنما يتطلب بذل المزيد من الجهد والعمل في سبيل النهوض بالأمم المتقدمة، وبناء على ذلك ينبغي تكاتف فئات الشعب المختلفة في السبق ومد اليد في وضع لبنة للمساعدة في رفع البنيان، ودور المثقفين من أهم الأدوار في بناء الوطن من التوعية وبث الأفكار الإيجابية.
ويضيف الصعيدي في حديثه مع صحيفة “مكة الإلكترونية” (وإذا كان لدينا نماذج غربية وشرقية عملت بكل ما تملك على تغيير أوطانها أمثال: مارتن لوثر، وماو تسي تونغ؛ فإنّ لدينا في مصر نماذج مشرقة أمثال: الشيخ محمد عبده، ونجيب محفوظ، والعقاد، وطه حسين وغيرهم الكثير”.
ويوضح “إننا في أمس الحاجة لدور المثقفين في الحقبة الراهنة- مرحلة البناء الجديد- وكذلك انتقاء المواد الثقافية المقدمة للجمهور؛ لتظهر مراحل تطور البناء، وتعالج المشكلات المتجذّرة في المجتمع”.
طرح رؤى جديدة أصيلة لمشكلات المجتمع
وعن دور الدولة في الجمهورية الجديدة، يؤكد الدكتور وائل الصعيدي على ضرورة توفير مساحات أكبر للمثقفين والمفكرين لطرح آرائهم، ونشر أعمالهم، وتابع “من الأمور الملموسة معرض القاهرة الدولي للكتاب كنموذج عالمي راق فريد، فنأمل المزيد من امتداد اليد في هذا الاتجاه؛ لضمان عدم نشر الأعمال العدائية، أو على الأقل التي تُشوّه سُمعة مصر في الداخل والخارج”.
كما دعا الصعيد المثقفين إلى ترسيخ ثقافة إعمال الفكر وطرح رؤى جديدة أصيلة، وطرح الحلول اللازمة للمشكلات التي يواجهها المجتمع، في الفعاليات الثقافية المختلفة وهو الدور الإيجابي الضروري، وعدم الاكتفاء بدور المتفرج. ومن الضروري أيضًا أن يربط المثقف بين الثقافة والتنمية. وعليه تطوير نفسه تكنولوجيا ليكون صورة حية للمثقف الذي يمتلك عبق الماضي ومواكبة الحاضر واستشراف المستقبل.
من جانبه، يقول الكاتب والروائي فكري داود، إن “الجمهورية الجديدة لا تعني أبنية جديدة فقط أو شوارع مخططة أحدث تخطيط، أو ميادين شاسعة وحدائق غناء، لكنني أتصور الجمهورية الجديدة إلى جانب كل ما سبق، تحتاج إلى فكر جديد تجاه تلك الأبنية والشوارع والميادين والحدائق، وتحتاج إلى ثقافة جديدة لاستعمال كل هذا والتعامل معه”.
مطالب بالاهتمام بالمكتبات والمعارض الفنية والمتاحف
ويستطرد حديثه بالقول: “أرى أن دور المثقفين والكتاب في غاية الأهمية، لإبراز القفزات الحياتية التي يجب أن تستجد، على الكائن البشري الراغب في التقدم، وعلى كل سكان الجمهورية، وعليه لابد أن تتناسب كتابات المبدعين مع كل جديد، وكذلك الفنانين والإعلاميين، كما دأب كل هؤلاء على إظهار نواقص الحياة وأزماتها، يجب عليهم أيضا إبراز الأسباب التي من شأنها رفع مستوى الإنسان المعيشي والفكري والثقافي، مع الوضع في الاعتبار، وجود الثورات المتلاحقة من العوالم الإلكترونية والاتصالات، التي جعلت من العالم قرية صغيرة، وأتاحت المعلومة مهما كانت أهميتها، قرينة ضغطة زر”.
وشدد داود على أهمية انتشار المكتبات ورقية وإلكترونية، والاهتمام بالمعارض الفنية الحديثة، والمتاحف التي تبرز حضارتنا في صورتها الحقيقية العظيمة، دون إغفال المستجدات التي تستحق إلقاء الضوء عليها.
ويضيف “فمن عاش بلا ماض عظيم، يصعب أن يحقق حاضرا عظيما أو مهما، خصوصا ومصر تمتلك تاريخا تفخر به وحضارة خالدة، آثارها ملء السمع والبصر، في كل أنحاء العالم، كما يقصدها الملايين من مشارق الأرض ومغاربها، للتزود من عبقها، والتأمل في أصالتها، والتأكد أن شعبا عظيما كان يعيش هنا ولا يزال، شعب قادر على صناعة المعجزات”.
ويختتم حديثه قائلا: “علينا كأبناء مصر بشكل عام وككتاب ومثقفين بشكل خاص، أن ننتج أعمالا على مستوى الحدث، مسرحا وقصة ورواية وشعرا وملاحم وموسيقى وفنا، وإلا وجدنا أنفسنا خارج المنظومة الجديدة، بل وخارج التاريخ، وبتنا كمثقفين وأدباء وفنيين، قابعين في واد والدنيا في واد”.
دعم حركة الترجمة ومسابقات قصور الثقافة
ودعا القاص والروائي سمير الفيل، الحائز على جائزتي الدولة التشجيعية، وساويرس الثقافية، إلى التنسيق بين الوزارات وهيئة الكتاب لطباعة آلاف الكتب وتوزيعها لبيعها بسعر زهيد، لتشمل التعريف بقطاعات الجمهورية الجديدة، المباني والأفكار والفنون، فضلا عن أهمية عودة مكتبة الأسرة إلى سابق عهدها من الانتشار غير المحدود، حتى أن مكتبات أكثر أدباء مصر كانت من خيراتها، على حد قوله.
وأضاف سمير الفيل أن حركة الترجمة مهمة للغاية، خصوصًا فيما يتعلق بالجمهورية الجديدة، وتابع “نحن نحتاج أن نعرف أكثر، ويجب أن ننقل أيضًا الأدب والعلوم المصرية إلى كل بقاع الأرض، كما أنه من المهم أن تتزايد مسابقات قصور الثقافة للتعريف بالمبدعين الجدد”.
تدشين مبادرة للتعريف برموز مصر
وتطالب الكاتبة الساخرة رشا عبادة، بأهمية تطوير قصور الثقافة لتكون أكثر قدرة على احتضان الموهوبين، وتنمية إبداعاتهم، والتعريف بفعالياتها في مختلف قرى ومدن مصر، لتكون نقلة حقيقية في الجمهورية الجديدة، لأنه لا تنمية دون إبداع.
وتؤكد على أهمية دعم المكتبات في كافة المدارس والجامعات، وإنشاء المزيد منها في كل مكان، وتعريف الطلاب بأهمية القراءة، ضمن مبادرة جامعة تحت إشراف وزارتي التربية والتعليم والثقافة، وتابعت “أقترح أن تكون هناك مبادرة يشارك فيها أدباء وفنانون وشخصيات عامة كل شهر للحديث عن رمز من رموز مصر مثل الدكتور مجدي يعقوب، والدكتور أحمد زويل، ومحمد صلاح، وغيرهم من القامات، لأن هناك الكثير من العلماء لا يعرف أحد عنهم شيئا”.
ويعلق الشاعر الشاب يوسف عشري، على دور المثقفين في بناء الجمهورية الجديدة بقوله: “نتمنى أن نشارك في ذلك فعلا، بالوعي والإخلاص والتعريف بتاريخ مصر وحاضرها، ونشر الفن والإبداع في الدول الغربية، لنتشارك معًا، كما حدث منذ مئات السنين”.
ويضيف “الجمهورية الجديدة فلسفة يجب أن يتبناها الجيل الجديد من الشباب، من الفنانين والتشكيليين والشعراء والروائيين والمسرحيين، نحتاج إلى بناء المزيد من المسارح ودور العرض السينمائي والمكتبات، وأن تعود مجددًا المكتبة المتنقلة، البناء يبدأ من الفكر، للتصدي للغزو الثقافي الخطير الذي ظل لسنوات يمثل عقبة في سبيل التنمية”.
وقالت الدكتورة نيفين الكيلاني، وزير الثقافة، في تصريحات إعلامية، إن الجمهورية الجديدة تهدف إلى بناء الإنسان كما تبني العمران، وتهتم بالتنوع الثقافي المصري، وتدرك الأهمية القصوى للمعرفة والعلم في بناء الشخصية المصرية.
وتابعت الكيلاني “نسعى للتركيز على الهوية وخلق وعي حقيقي وصادق، الهوية المصرية الأصيلة أبهرت العالم وعلمته الكثير، وذلك تنفيذا للمبادرة التي طرحها الرئيس عبدالفتاح السيسي للحفاظ على الوعي والهوية”.






