المقالات

سيكولوجية الخوف من التقدم في العمر وأساليب التوافق غير السوية

إن الخوف من تقدم سنوات العمر مرتبط بخوف الإنسان من مواجهة القادم المجهول أو حتى الخوف من حقيقة الموت أو دنو الأجل كما يظهر في مرحلة الشيخوخة، أو الشعور بالندم على ما فات، كما يظهر في مرحلة منتصف العمر، و أن محاولة تمسكنا بغريزة البقاء تدفعنا دائمًا للبحث عن طريقة ما لنطيل بها الأعمار بعد -مشيئة الله- سبحانه وتعالى وتقديره، وهذا يؤكد على وجود دافع فطري موجود لدى كل إنسان وهو البحث عن ما يساعد سعيه الأبدي للحصول على جُرعة سحرية تضمن له الحياة الأبدية وتمنحه الخلود الدائم ليبقى بمظهر وشكل شبابي جميل وأنيق، ووجود الهاجس الشعوري الذي يجتاح حياة الإنسان في مرحلة معينة من حياته، ويأخذ حيزًا كبيرًا من التفكير الطويل المغلف أحيانًا بالحزن والخوف والقلق مما تبقى من هذا العمر، وما ستؤول إليه الأشياء. هو من أخطاء التفكير التي يقع فيها كثير من الأشخاص وهو تفسير الواقع بطريقة سلبية وتشاؤمية وبشكل سوداوي محبط هذا الشعور قد يأتي مبكرًا لدى البعض، ويخترق أعمارًا ما تزال لديها الوقت أن تحقق المزيد، إن استطاعت أن لا “تستسلم” على أبواب الخيبات. تبدأ هذه المشاعر وتزداد هذه الأفكار في مرحلة منتصف العمر وهي ما بين (35 سنة إلى 55 سنة) وفق علم نفس النمو الإنساني أو حين اقتراب سن التقاعد أو إعلان نهاية الخدمة، وهذه إحدى أزمات النمو الإنساني وهو القلق بشأن مضي سنوات العمر وما الذي ينتظرنا في القادم!!! يشرع الفرد في هذا النوع من التفكير بالتفكير في كل ما مضى، ويدرك أنه في سباق حقيقي مع الزمن وأن السنوات تمضي بلمح البصر دون توقف ودون أن تنتظر أحدًا وهذه حقيقة ومُسلمة واقعية لا ننكرها وعلينا أن نتعامل معها بالقبول والتوافق الإيجابي مما يُعزز صحتنا النفسية، وما يحدث هو محاولة الوقوف كل مرحلة من العمر وعدم الرغبة في التقدم، وهذا ما يفسر شعور الإنسان بالخوف والحزن والقلق كلما كبر وتقدم بالعمر، وكأنه يستشعر حدوث تغيير غير مقبول أو إحساس باقتراب خطر ما. الدقائق والأيام والسنوات كلها تمر مسرعة تاركة هواجس لا حصر لها تتلخص أهمها في فكرة أن الفرص مع العمر تبدأ بالتناقص وربما تقل لدرجة أنها تنعدم تمامًا. لذا يقف البعض حائرين أمام أسئلة قد تكون منطقية، لكنها أيضًا قاسية تتسبب حتمًا في حزنهم وخوفهم وانزعاجهم. عن مضي العمر وتسارع وتيرة الأيام. إن الأشخاص الذين يخافون من التقدم بالعمر، ويفكرون به كثيرًا، يعانون فوبيا العمر وتكون نظرتهم للحياة محدودة وضيقة ويعيشون دائمًا بقلق وحزن معتقدين أن الفرص تنتهي بمجرد وصولهم إلى سن معينة، وهؤلاء الفئة عليهم أن يعوا بأن العمر هو مسؤوليات تؤديها وأوقات تعيشها بأريحية ليس أكثر، وأن لكل مرحلة من المراحل فرصها وأحلامها وخصوصيتها واندفاعها. لذلك، ينبغي أن يتحرر الإنسان من السلبية ومن تلك الأفكار الخاطئة والمحبطة والبعيدة كل البُعد عن التفاؤل والأمل. ونؤكد على أن البداية قد تأتي من رحم النهايات وما دام الإنسان على قيد الحياة؛ فهو قادر على الحلم والعطاء والإنجاز مهما كان عمره وعليه أن يعي جيدًا نقطة مهمة، وهي أن الحياة فقط تنتهي بالموت. وأن الإنسان هو وحده المسؤول عن إسعاد نفسه بالطريقة التي يختارها، وخاصة إذا عرف كيف يتجدد باستمرار ويخلق لنفسه لحظات ممتعة ومميزة كفيلة بأن تشعره بالراحة والسكينة. التفكير في العمر، يجب أن يكون إيجابيًا ومحرضًا على الركض نحو الأهداف والطموحات والتعايش المنطقي والهادف مع ظروف الحياة. إذا لا يمكن لأحد إيقاف الزمن، وعمر الإنسان عبارة عن وقت وزمن، لذلك يجب الاستفادة من كل لحظة من الوقت، لأنها تحسب من عمرك أيها الانسان، كما أن طبيعة الحياة أن الإنسان يمر بمراحل عمرية مختلفة، طفولة، شباب، شيخوخة، ولكل مرحلة خصائصها وميزاتها، والخوف من التقدم بالعمر والقلق بشأنه، لن يغير شيئًا على الواقع، ولن يوقف عداد الزمن. ولن يغير سنن الحياة. كما أن الندم والحزن على ما ضاع من فرص في الحياة لن يعيدها مرة أخرى!، كل شيء في الحياة عُرضة للخطأ و للتغيير، وفهم وإدراك الحقائق الكونية يجعلان الإنسان أكثر واقعية وأكثر إيجابية وقدرة على التفاعل والإنجاز واستثمار اللحظة. بينما الجهل والإنكار والهروب من الواقع يؤدي إلى التيه والضياع والندم والحسرة والإحباط وخسارة كل شيء، ووجود القلق والخوف فيما يخص الندم على ما فات أو الخوف من القادم سيؤديان حتمًا إلى أمراض جسدية ونفسية، فكل إنسان مهما كان عمره يمكن أن يؤدي دورًا يتناسب مع عمره وقدراته وخبراته، إذا أحسن الشخص فهم ذاته والاستفادة من قدراته، وتقدمك بمراحل العمر لا يعني أنك أصبحت شخصًا “هامشيًا” عديم الفائدة تنتظر ساعة وفاتك!! ولا يعني بأنك ستصبح غير قادر على الإنجاز والعطاء، فكثير من الأشخاص يبدؤون مرحلة جديدة من الإنجاز والتميز حتى بعد سن التقاعد من العمل ونراه ونشاهده في حياتنا الواقعية، وحتى يستمر الإنسان في أداء واجباته ورسالته في الحياة، عليه أن يستمر في المحافظة على صحته الجسدية والنفسية، وأن يهتم بها في فترة الشباب ويستمر على ذلك. وأن لا يتكاسل عن الاهتمام بصحته واتباع نمط الحياة الصحي وممارسة الرياضة و أقلها المواظبة على المشي بشكل يومي، والحرص المستمر على التعلم وتطوير الذات والاطلاع والمتابعة والاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي بمحتواها الإيجابي. كما أن حسن العلاقات الطيبة مع الآخرين من أبناء وأقارب وأصدقاء يسهم بشكل إيجابي وبناء في اكتساب الشخص الحيوية وديمومة الطاقة والنشاط بغض النظر عن العمر الرقمي له، كما أن ذلك يدعم شعوره بالثقة بالنفس ويعكس شعور بأنه محبوب ومرغوب، بينما ضعف العلاقات الاجتماعية سيشعر الإنسان بالوحدة والملل والفراغ، ما يؤثر سلبًا في صحته النفسية كما أن المبادرات التطوعية ومساعدة الآخرين والسعي في حاجاتهم مهمة عظيمة لا تتوقف عند عمر معين، ناهيك عن الثواب والأجر من الله سبحانه وتعالى، والتطوع يمكن أن يكون بالوقت أو العلم أو الخبرة. كما يستطيع الإنسان أن يحقق الكثير من الأهداف في مراحل العمر المتقدمة إذا استثمر وقته وقدراته. في الكتابة والتأليف وممارسة الهوايات وتقديم الاستشارات من خلال نتائج خبراته وتجاربه السابقة في التعامل مع ضغوط الحياة، وهذه بعض الأساليب التوافقية الجيدة في التعامل مع مرحلة التقاعد كإحدى المراحل التي تسبب هاجسًا من مسألة التقدم بالعمر، فالمهم هو أن يستمر الإنسان في العمل والإنجاز طيلة حياته وهذا المطلوب؛ وبهذا سيبقى الإنسان طوال عمره بمشيئة الله يستطيع أن يحقق كل أحلامه وأمنياته ما دام قادرًا على الإنجاز والعطاء، ولديه شغف أن يعيش عمره بحب وسعادة، وألا يستسلم للإحباطات والعقبات والمعوقات؛ وعلينا أن نستبدل عبارة “العمر مجرد رقم” إلى أن كل العمر هو محاولة لتحقيق الذات، وأن النمو الإنساني بمعناه النفسي ما هو إلا هو عمليات هدم وبناء، بمعنى أن الهدم هو التخلي عن خصائص وصفات في مرحلة سابقة مثلًا الشخص الراشد تصرفاته ليست كتصرفات المراهق بناءً على نضجه العقلي والجسمي، وعمليات بناء بمعنى اكتساب صفات جديدة تتناسب مع المرحلة الحالية التي يعيشها الشخص، كما أن الإحساس بالعمر يختلف من شخص لآخر حسب معنوياته، ونظرته وإقباله على الحياة، ومحافظته على صحته. ومن أساليب التوافق غير السوي مع تقدم العمر هو هواجس التفكير مثل الخوف من ظهور علامات التقدم بالعمر فيقع الإنسان في صراع ما بين ما هو واقع ومحتوم وما يرغب بأن يهرب عنه! كما أن البعض لديه نوع من الحساسية مما يظهر من مظاهر على الوجه والجسم؛ فيهرع إلى محاولة التحسين والإصلاح بشكل قلق ومبالغ فيه كإخفاء التجاعيد أو صبغ الشعر أو محاولة الحد من تساقطه، وينظر إلى نفسه بالمرآة بأن بصمة الأيام الحزينة تركت طابعًا مأساويًا على الجفون والجبين! وقد يواجه من قبل الأسرة والأصدقاء والمجتمع عمومًا بنظرة النقد أو السخرية، وهذا سيئ مرفوض وغير صحيح إذ إن الاهتمام بالمظهر والشكل أمر مرغوب بدون تكلف أو هوس أو مبالغة، وعلى الآخرين أن يحترموا ذلك، والمرأة ليست بمنأى عن هاجس التقدم بالعمر و لها أسبابها الأكثر دقة وخصوصية من وجهة نظرها؛ فهي تمضي سنوات ليست بالقليلة في التربية ومراعاة الأسرة والاهتمام بها والقيام بشؤونها وقد تفيق على عمر معين تشعر بأنها قد نسيت أن تعيش دورها الشخصي في الحياة، أو أنها لم تحقق أحلامها وآمالها لانشغالها المستمر أو لعدم توفر المقومات الإمكانيات أو أن الظروف لم تكن ملائمة لما تطمح إليه، نقول لها: عزيزتي الأنثى إذا شعرت بأن تربيتك لأبنائك وحفاظك على أسرتك ونجاح أبنائك ووجودهم حولك بأمان وطمأنينة هو أغفل عنك واجبات تجاه نفسك، فهذا ليس تفريطًا منك في حقك فهو جزء من واجباتك الحقيقية تجاه أسرتك وأبنائك ومجتمعك، وعليك أن تشعري بأن قدرك وقيمتك محفوظة وأهميتك وحتى جمالك لازال ومستمر وسيبقى -إن شاء الله- في كل مراحل عمرك، فأنت الأم والمربية والقائدة والملهمة وكل فرد في المجتمع يستشعر دورك وأهميتك ويقدر الجميع إنجازاتك ويثمن تضحياتك العظيمة.

• أخصائي أول نفسي وتأهيل الإدمان
• عضو الجمعية العلمية السعودية للإرشاد النفسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى