المقالاتعام

بيان دولي بقيادة السعودية وفرنسا يعيد ترتيب أولويات المجتمع الدولي: حل الدولتين مفتاح استقرار المنطقة

في ظل تصاعد الأحداث والتوترات في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة ما تشهده الأراضي الفلسطينية من تصعيد خطير، تبرز الحاجة إلى تحرك دولي يعيد ترتيب أولويات المجتمع الدولي تجاه أزمات المنطقة. ومن هنا، جاء البيان المشترك الصادر عن رئاسة مؤتمر الأمم المتحدة الدولي رفيع المستوى بشأن التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتطبيق حل الدولتين، والذي تشارك في رئاسته كل من المملكة العربية السعودية والجمهورية الفرنسية، ليعكس إجماعًا دوليًا واسعًا على ضرورة التمسك بالحلول السياسية والدبلوماسية للأزمة الفلسطينية.
وشاركت في هذا البيان عدد من الدول ذات الثقل السياسي والدبلوماسي، منها: البرازيل، كندا، مصر، إندونيسيا، إيرلندا، إيطاليا، اليابان، الأردن، المكسيك، النرويج، قطر، السنغال، إسبانيا، تركيا، المملكة المتحدة، الاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية. هذا التنوع الجغرافي والسياسي في قائمة المشاركين يبرز البعد الإنساني والدولي للقضية الفلسطينية، ويعزز من أهمية تضافر الجهود في سبيل تحقيق سلام عادل وشامل.
ويُعد اختيار الجمهورية الفرنسية للرئاسة المشتركة إلى جانب المملكة العربية السعودية تأكيدًا على إدراك باريس للدور المحوري الذي تلعبه الرياض في ملفات الشرق الأوسط، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. كما يُبرز هذا التعاون الثنائي التقاء الرؤية الأوروبية مع العربية في ضرورة إيجاد حلول سلمية مستدامة.
البيان عبّر عن قلق بالغ إزاء التصعيد المستمر والتطورات الأخيرة التي دفعت إلى تعليق المؤتمر الدولي، مؤكدًا صحة التحذيرات المتكررة بشأن هشاشة الوضع في المنطقة، والحاجة الماسة إلى التهدئة واحترام القانون الدولي، فضلًا عن تعزيز العمل الدبلوماسي. هذه الرسائل تأتي في وقت تحتاج فيه المنطقة إلى التكاتف الدولي لوقف نزيف الدماء وإنهاء دوامة العنف.
كما شدد البيان على التزام الأطراف كافة بأهداف المؤتمر، وحرصهم على استمرارية أعماله وتحقيق أهدافه المرجوة، موضحًا أن الرئاسة المشتركة ستعلن قريبًا عن مواعيد جديدة لانعقاد المؤتمر بشكل عاجل، لضمان استمرارية التنسيق بين مجموعات العمل وتحقيق التزامات واضحة وتوافق مشترك بشأن آليات تطبيق حل الدولتين.
ولا يمكن فهم الموقف السعودي الداعم لحل الدولتين بمعزل عن تاريخ المملكة في دعم القضية الفلسطينية على المستويين الإقليمي والدولي، إذ سبق أن قدمت المملكة مبادرات تاريخية أبرزها مبادرة الملك فهد في قمة فاس عام 1982، ثم المبادرة العربية للسلام التي أطلقتها المملكة في قمة بيروت 2002، والتي دعت إلى سلام شامل مقابل انسحاب دولة الاحتلال من الأراضي المحتلة.
تؤكد هذه المبادرات المتتالية أن الموقف السعودي ثابت ومبدئي، ويرتكز على تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني ضمن إطار قانوني وشرعي يحظى بإجماع عربي ودولي.
وفي خطوة دبلوماسية تاريخية، أعلنت المملكة العربية السعودية من منبر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية يوم الخميس الموافق 26 سبتمبر 2024م عن إطلاق “التحالف العالمي من أجل إقامة الدولة الفلسطينية”، لتؤكد بذلك التزامها الثابت بالقضية الفلسطينية. يعكس هذا التحرك الجاد الدعم الكبير الذي تقدمه المملكة، بقيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظهما الله -، تجاه حقوق الشعب الفلسطيني وتفعيل الجهود الدولية الرامية لتحقيق حل الدولتين.
وفي خطوة تعكس جدية المجتمع الدولي، دعا البيان إلى مضاعفة الجهود الهادفة إلى احترام القانون الدولي، واحترام سيادة الدول، وترسيخ قيم السلام والحرية والكرامة لجميع شعوب المنطقة. كما أكد الدعم اللامتنازع عليه لكافة الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب في غزة، وتحقيق تسوية عادلة ومستدامة للقضية الفلسطينية، عبر تنفيذ حل الدولتين بوصفه الخيار الوحيد القادر على ضمان الأمن والاستقرار للجميع في المنطقة.
ختامًا، في هذا الوقت الحرج الذي تمر به القضية الفلسطينية والمنطقة بأسرها، يمثل هذا البيان المشترك بادرة أمل تعكس إصرارًا دوليًا على المضي قدمًا نحو حل سياسي شامل وعادل. إن التزام المملكة العربية السعودية وشركائها الدوليين بهذا المسار السياسي، يعكس رؤية استراتيجية تقوم على تعزيز السلم والاستقرار والكرامة الإنسانية، ويُعيد التأكيد على أن حل الدولتين ليس خيارًا تفاوضيًا فحسب، بل ضرورة سياسية وأخلاقية لضمان مستقبل آمن لجميع شعوب المنطقة.

د. محمد بن سليمان الأنصاري

أستاذ القانون الدولي - جامعة جدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى