المقالات

الدبلوماسية الثقافية

تدور الدبلوماسية الثقافية حول بناء الجسور، لإيجاد تفاهم مشترك بين الشعوب، لتضييق الفجوات الثقافية، وتعميق الروابط بين الدول عبر الإرث الثقافي. وتمثل الدبلوماسية الثقافية التبادل للأفكار، والمعلومات، والفنون، واللغات، مع جوانب الثقافة الأخرى بين الأمم والشعوب الأخرى لتعزيز تفاهم متبادل ومشترك.
وللدبلوماسية الثقافية أشكال مختلفة تشمل التعاون الثقافي، الدبلوماسية العامة، القوة الناعمة، العلاقات الثقافية الدولية. كما يشير مصطلح الدبلوماسية الثقافية إلى مجموعة واسعة من الممارسات التي يمكن تنفيذها في بلد أجنبي، مثل تقديم دورات اللغة، وتقديم المنح الدراسية للبكالوريوس والماجستير والدكتوراة، وإقامة المهرجانات وعروض الفنانين ومعارضهم، فضلًا عن تنظيم المؤتمرات العلمية، وفتح المكتبات، وتقديم الهدايا الدبلوماسية كجزء من المهمة.
ويُشير عدد من المفاهيم المتجاورة والمماثلة للدبلوماسية الثقافية كممارسات مماثلة، ولكن مع دلالات وآثار مختلفة. في الأنشطة التالية: التعاون الثقافي، والدبلوماسية العامة، والقوة الناعمة، والعلاقات الثقافية العابرة للحدود الوطنية. على الرغم من أن هذه المصطلحات قد تشير في بعض الأحيان إلى نفس الأنشطة، إلا أنها تعكس مفاهيم مختلفة حول ماهية الدبلوماسية الثقافية وما ينبغي أن تكون عليه.
وقد أنتقل هذا المجال من الدبلوماسية إلى الدبلوماسية الثقافية؛ حيث كانت الدبلوماسية تكمن في معالجة بعض التوترات بين الدول في صراعات تنتمي إلى الماضي. في الواقع، يمكن لذكرى الحروب والإبادة الجماعية والاستعمار أن تترك ندوبًا عميقة في العلاقات بين الدول، ويتعين على الدبلوماسيين أن يواجهوا هذه الندوب عبر الدبلوماسية. ومع ذلك، فإن الدبلوماسية هي الممارسة التي يتفاوض من خلالها ممثلو الدول للدفاع عن مصالح بلادهم في مجالات مثل الأمن أو التجارة أو البيئة. في الواقع، الثقافة أيضًا يمكن أن تكون مجالًا للدبلوماسية.
وفي الوقت نفسه، من خلال المساهمة في تحسين صورة الدولة وتطوير الروابط الثقافية بين المجتمعات المدنية، يمكن النظر إلى الثقافة كوسيلة لتخفيف العلاقات بين الدول. وتشهد المصطلحات الجديدة التي تشكلت مع كلمة “الدبلوماسية” على تنوع “الأدوات الثقافية” التي يمكن حشدها: “دبلوماسية الشتات”، و”دبلوماسية الطهي”، و”دبلوماسية الرياضة”، ودبلوماسية الجنائز في حالة موت رئيس الدولة. وهناك تمازج بين الثقافة والسلطة حيث يمكن استخدام الثقافة في الدبلوماسية بأن الثقافة يمكن أن تكون مصدرًا للقوة.
وهناك جدال بأن الثقافة تمثل أحد أصول القوة. حيث يمكن أن تجعل الدول الأخرى أكثر عرضة للامتثال لمصالحك. فنجد مثلًا أن الولايات المتحدة قد وظفت ثقافتها عبر وسائل إعلامها لتتحول من ثقافة أمريكية إلى ثقافة إنسانية تخدم الاقتصاد الأمريكي وتروج له وأصبح أثرها واضحًا في معظم دول العالم. ونجد أمثلة لذلك التفاعل بين الدول عبر التعاون الثقافي والدبلوماسية العامة والقوة الناعمة والعلاقات الثقافية العابرة للحدود الوطنية مما يجعل لديهم نظرة إيجابية لشعوب الدول وثقافتها وسياساتها، لتعزيز التعاون بين البلدين، ومنع وإدارة وتخفيف الصراع مع الدول المستهدفة.
وتأتي أهمية الدبلوماسية الثقافية من خلال ما تلعب الدبلوماسية الثقافية من دور مهم في العالم الحديث؛ حيث نعيش في عالم ديناميكي ومعقد للغاية. فقد جلبت جميع التأثيرات الإيجابية للعولمة (التدفق الحر للأشخاص والأفكار والسلع والمعلومات والتقنيات وما إلى ذلك) عددًا من التحديات والتهديدات الأمنية الجديدة (الإرهاب العالمي، والجريمة المنظمة، والاتجار غير المشروع بالبشر، والمخدرات، والأسلحة، وانتشار أسلحة الدمار الشامل). (الهجرة غير الشرعية، والقرصنة، والمعاملات البيئية، والأزمات الاقتصادية والمالية، والصراعات العرقية وما إلى ذلك) مما يستدعي إلى صنع نوعًا من البيئة الأمنية التي لم تكن موجودة من قبل. لذلك لا يمكن لأي دولة، بغض النظر عن حجمها وقوتها، توفير بيئة آمنة بمفردها؛ وبالتالي، فإن الاعتماد المتبادل أصبح سمة رئيسية للعلاقات الدولية الحديثة. وبناء الجسور بين الشعوب الأخرى. لتحقيق تفاهم تضيق معه الفجوات بين الثقافات، لإنشاء روابط قوية بين الدول من خلال الفنون والثقافة والتعليم والترويج لها، لخدمة السياحة والترفيه.
ويمكن تفعيل الدبلوماسية الثقافية من خلال الاستفادة من كل جانب من جوانب ثقافة الأمة، عبر الفنون بما في ذلك الأفلام والرقص والموسيقى والرسم والنحت وغيرها. والمعارض التي توفر إمكانية عرض العديد من الأشياء الثقافية، والبرامج التعليمية مثل: الجامعات وبرامج اللغات في الخارج، والتبادل العلمي والفني والتعليمي وما إلى ذلك. وإنشاء مكتبات في الخارج أو بالمكتبات الثقافية الإلكترونية، وترجمة الأعمال الشعبية والوطنية، وبث الأخبار والبرامج الثقافية والهدايا العينية لنماذج مجسدة لثقافتنا، ومن خلال الدبلوماسية الدينية، بما في ذلك الحوار بين الأديان، وترويج وشرح الأفكار والسياسات الاجتماعية والسعي لإيصال ثقافتنا لجماهير المجتمعات الأخرى وبجهود رسمية وتجارية وخيرية وشعبية للتأثير عليهم للتقليل من مشاعر العداء أو العنصرية.
عضو هيئة تدريس سابق بقسم الإعلام – جامعة أم القرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com