المقالات

حال الدنيا

يقول الشاعر :-
ما بين غمضة عين وانفتاحتها
يُغير الله من حالٍ إلى حال

هكذا هو حال الدنيا يومٌ لك ويوم عليك، كما أن دوام الحال من المُحال، ولو دامت لغيرك لما آلت إليك.

ويقول الشاعر أيضًا:
هي الأمور كما شاهدتها دولُ
من سره زمنٌ ساءته أزمانُ

أعرف أناس كانوا فقراء لا يجدون قوت يومهم، وبقدرة القادر -عز وجل- تغيَّر حالهم، وأصبحوا أغنياء، وآخرون حلَّ بهم العكس بين عشيةٍ وضحاها.

لكن الخالق جل جلاله ومن لطفه بعباده، بعث التفاؤل في النفوس، وأوضح أن مع العسر يسرًا، وأكّد على ذلك في آيتين كريمتين متتاليتين بصورة واحدة اسمها “الانشراح” وهي في مجملها تدعو إلى التفكّر والتدبّر وانشراح الصدر؛ حيث قال سبحانه وتعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا(6)) (الانشراح: 6،5)

أحد أصدقائي ذهب بسيارته مع عائلته الصغيرة لمسقط رأسه، وفي الطريق وقع عليهم حادث شنيع أُدخِل على إثره للعناية المركزة، وتنوَّم بقية أفراد الأسرة بنفس المستشفى، ومن ضمنهم زوجته التي كانت تزوره في العناية المركزة كُلما وجدت الفرصة المناسبة؛ لأنها كانت أفضل المصابين حالًا، وكنتُ يوميًا أتصل على أحد أقارب ذلك الصديق للاطمئنان عليه، وفي كل مكالمة أتوقع أن أسمع خبر انتقاله إلى رحمة الله لكن المفاجأة وفاة الزوجة التي كانت بصحة جيدة، وتتنقل بين أبنائها وزوجها للاطمئنان عليهم دون سابق شكوى، أما الزوج فلا زال حيًا حتى الآن بعد أن تحسَّنت حالته الصحية .

آخر كان يشكو معاناته مع مرض زوجته وسفره معها للعلاج داخل المملكة وخارجها، ولم تنجح تلك المحاولات في علاجها رغم خسارته المادية الكبيرة ومعاناته الشديدة من كثرة الأسفار والتنقل، وكان هو بصحة جيدة لا يشكو من أي عارض صحي أو مرض مزمن ثم إنه مرض مرضًا خفيفًا نُقل على إثره للمستشفى، ولم يخرج من ذلك المستشفى إلا إلى المقبرة والبقاء لله أما زوجته؛ فلا زالت حيةً وندعو لها بالشفاء العاجل .

يقول الشافعي :
وكم من صحيحٍ مات من غير علةٍ
وكم من سقيمٍ عاش حينًا من الدهر

وعندما نتفكَّر بعُمق في هذه الدنيا، ندرك أنه يلزمنا أن نحاول بناء مدينة فاضلة بيوتها تمتلئ بالمحبة، وطرقها يكسوها التسامح والتغافل والعفو، وسكانها يكونون متحابين متعاونين، وأن نعطي ولا ننتظر الرد على العطاء، وأن لا نندم على شيء، وأن نجعل الأمل مصباحًا يُرافقنا في كل مكان .

لذلك وجب علينا أن لا نغتر بمنصب أو مال أو جاه؛ فكلها زائلة لا محالة ولا يبقى للمرء بعد وفاته إلا الأثر الطيب والعمل الصالح، وهذا يتطلب منَّا التفاؤل والعمل بإخلاص، وتقديم كل ما فيه خير للوطن والمواطن والبشرية جمعاء .

– كاتب رأي ومستشار أمني

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com