المقالات

التاريخ مُكَثَّفًا

تطورت مناهج وأساليب تقديم التاريخ فلم يعد قطائع منفصلًا بعضها عن بعض ولا هو أشلاء ميتة وإنما صار يُروى بحيوية آسرة تحيل الماضي إلى مشهد زاخر بالحضور والإثارة ….
صار التاريخ سلسلة مترابطة تكشف نقاط التواصل ونقاط الافتراق ….
لم يعد التاريخ ركامًا من الأسماء والأحداث والتفاصيل التي لا تضيف بقدر ما تستنزف وإنما صار زاخرًا بالرؤى والمعرفة والتعليل العميق ….
إن التطورات المعرفية قد خدمت التاريخ فلم يعد سردًا خاملا مملا وإنما بات مضغوطًا فيقدم المعرفة التاريخية بمنتهى الكثافة والتشويق والإثارة والامتلاء ……
من نماذج هذه الكثافة الآسرة في تقديم التاريخ كتاب (تاريخ الحضارة من خلال موضوعات) بجزئيه للمفكر الأمريكي كافين رايلي وقد ترجمه إلى العربية الدكتور عبدالوهاب المسيري …
ومن نماذج التاريخ المقدم بكثافة كتاب (الحضارة) للمؤرخ البريطاني نيال فرغسون
أما النموذج الثالث فيقدمه الألماني إريك دورتشميد في كتابيه (أبطال مجهولون)
و ( دور الصدفة والغباء في تغيير مجرى التاريخ) وقد ترجم الأول أحمد الزبيدي وترجم الثاني محمد حبيب ونشرتهما دار المدى ……
إن التاريخ محكومٌ باللحظات الحاسمة التي تتغير بها أوضاع الأمم ويتحدد بها مسار العالم ….
لحظات كثيفة : ((فجأة أصبحت البلاد كلها كأنها خلية نحل)) مثل هذه اللحظات الكثيفة لا تتكرر كثيرًا لكنها حاسمة في تحديد المستقبل …..
إن إريك دورتشميد يُمسك بعقل القارئ فلا يفلته حتى ينتهي الكتاب فرغم أنه دارسٌ ومحلل إلا أنه يقدم تحليلاته بأسلوب روائي زاخر بالإثارة والترابط والتشويق …….
وهو يبرز دور الجهل والأخطاء وغياب المعلومات الدقيقة والغباء في تحديد النهايات الحاسمة ………
يقول: ((يمكن للوقت والظروف لعب دور حاسم في نشر أو حجب الأخبار)) وكما يقول توماس فولر: ((إن الحظ أو الصدفة هي التي تصنع البطل بشكل رئيسي)) ويقول:(( لا يتطلب صنع البطل فقط الشجاعة والإقناع والطاقة والإرادة والعقل فحسب بل يحتاج أيضا إلى عامل الصدفة))
ويقول: ((في أمر عظيم لا يوجد حدٌّ فاصل بين المحاولة والمخاطرة))
ويستشهد بمقولة الجنرال الألماني كارل فون كلوزفتيز عن تذبذب أحكام الناس فإذا تحقق النجاح لأي عمل وُصِف بأنه عملٌ جريء أما إذا فشل العمل فإنه يوصف بأنه متهوِّر ……

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى