المقالات

السعودية..حمامة السلام وحاملة غصن الزيتون

لطالما أزعجتني -في فترة ابتعاثي- الصورة النمطية السلبية عن المملكة العربية السعودية، وعن كلّ ما يتعلق بها، ولَكم حِيكت أكاذيب، ونُسجت أفكار غربية استعلائية، أفكار غير دقيقة فيها الكثير من قيم الاستشراق ذات الفكر الاستعماري الامبريالي ليس على المملكة فحسب، بل على العرب بشكل عام، وعلى كل الأمم التي تجهلها، فتقولبها بأنماط غير حقيقية، لأنّها لا تشبهها في قيمها ومبادئها، بل إن باحثي كارنيجي للنشاط السياسي الخارجي عبّروا عن قلقهم المزعوم بشأن مستقبل الخليج العربي والمنطقة، والتحديات الداخلية الخطيرة لمنطقة مضطربة بحدّ زعمهم. وإني لأفخر اليوم بأنّ الزمن كان كفيلًا بقلب المعايير وتوجيه بوصلة الحضارة الحقيقية، وقلب ميزان القوى لصالح الأقوى قولًا و فعلًا، الأرسخ مبادئًا، والأكثر حكمة، هي أقوال وأفعال السعودية وقادتها، مملكة السلام وحاملة غصن الزيتون منذ بداية تأسيسها وحتى اليوم.

ومع تغيّر التوجّه العالمي، تغيرّت المفاهيم، وتبدلت المواقف، وأصبح فريق القيادة السعودي ممثّلًا بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، و صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يرأس جلسات على مستوى العالم، حيث باتت المملكة في مركز الاهتمام العالمي، لها كلمة، ووزن، وثِقل، فها هو الرئيس الأميركي- بقوة دولته وعمقها- يطلب من السعودية أن تجتمع بالرئيس الروسي -بقوة دولته وهيمنتها- لحلّ مشكلة الحرب في أوكرانيا، ومناقشة قضة العرب الأولى قضية غزة.

ولأنّ شعار حمامة السلام وغصن الزيتون يرمز على مّر التاريخ البشري إلى السلام، والرحمة، والحكمة، والقوة، والحب، ذلك الشعار الذي تمّ تكريمه منذ القدم، فقد تبنّت السعودية هذا النهج، فغدت حمامة سلام تحمل نوايا الخير للجميع. وشهد دورها تطورًا ملحوظًا كفاعل رئيس في تعزيز السلام الإقليمي والعالمي، وكدولة رائدة في العالم العربي والإسلامي، وكمحور استراتيجي في الشرق الأوسط.
بل إنّ حديث وسائل الإعلام العالمية عن استعداد الرياض اليوم لاستضافة قمة تاريخية تجمع الرئيسين الأميركي والروسي، وفق ما أعلنته وزارة الخارجية السعودية في بيانٍ أكدت فيه ترحيبها بهذا الحدث، لهو أكبر دليل على استمرار بذل الجهود لتحقيق الاستقرار العالمي. وتأتي هذه القمة نتيجة لمبادرات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، الذي أعلن في غير مناسبة ومنذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، إلى أن وصلت ذروتها عن استعداد السعودية لقيادة المساعي للحلّ السياسي بين الطرفين.

وعلى الرغم من رمزية الحمامة إلا أنّ الدور الذي تلعبه السعودية في كلّ القضايا العربية والإقليمية بل والعالمية كما هو الحال في الصراع الأمريكي الأوكراني الروسي، ليدهش الجميع؛ فهي وسيط نزيه يدافع عن حقوق المظلومين في كلّ بقاع الأرض كحمامة سلام. وما موقف السعودية المتوازن تجاه كلّ القضايا التي تمس الإنسان والأوطان- وأولها بل أهمها موقفها من قضية المسلمين الأولى القضية الفلسطينية، ومن ثمّ دعمها للرئيس السوري الجديد- لخير دليل على نزاهتها.

إنّ كلّ هذه الجهود الكبيرة ذات التأثير في الساحة العالمية، تأتي تأكيدًا للمسيرة الدبلوماسية السعودية الحثيثة المتوازنة على مرّ العقود، بما يعزّز مكانتها كقاعدة دبلوماسية لا غنى عنها في النظام الدولي متعدد الأقطاب متشعب المصالح. هذه الخطوات التي تعكس الثقة الدولية المتزايدة بدور السعودية كوسيط حكيم و محايد وفاعل في صناعة السلام العالمي، ليست صدفة ولا حدثًا عابرا منفصلًا، بل هو جزء من استراتيجية عميقة الجذور تجسّد رؤية القيادة السعودية في بناء جسور التواصل بين القوى العالمية الكبرى كما سيكون في اللقاء المرتقب بين بوتين وترامب.

ختامًا، وكما رسم بيكاسو لوحة الحمامة وغصن الزيتون، والتي تعدّ من أكثر اللوحات تأثيرًا في معارضة الحروب في العالم لترمز للسلام، وبعد أن بات الشعار مستخدمًا في كلّ مناسبة تتحدّث عن السلام، بل أصبحت إحدى أكثر نماذج السلام شهرةً في العالم، فإنّ قيادة السعودية اليوم لترسم بالعدالة والحكمة والقدرة لوحة تحقيق التوازن بين مصالح الدول ومصالح الشعوب، لوحة تعزيز السلم والعدل العالمي، لوحة تجمع بين رموز عالمية وقوى لا يستهان بها، باتت تنظر للسعودية كملجأ للجميع لتحقيق توازن عالمي. وكما تمّ اختيار لوحة بيكاسو “الحمامة وغصن الزيتون” من قبل مؤتمر السلام الدولي الأول الذي انعقد في باريس عام 1949، وكما اختير (21) أبريل يومًا عالميًا للسلام، يُحتفل فيه من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيُلزم العالم بأسره بوقف أي عنف، أو إطلاق للنار، إضافةً إلى أي نزاع مدة (24) ساعة ، فليس عزيزًا أن تحصل السعودية على تكريم في هذا اليوم، وإن كانت لا تسعى إليه، إلا أنّها تبذل جهودًا حثيثة تستحقّ الاحترام العالمي الذي هو احترام لقيادة لا تألو جهدًا، ولا تدّخر وقتًا للوقوف مع الحقّ وبذل الغالي والنفيس لنصرة المظلومين.

أ.د. أماني خلف الغامدي

جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى