المقالات

المساعي الأكاديمية.. درع مواجهة الإعلام المضل

في ظل تصاعد التهديد الذي تفرضه المعلومات المضللة تجاه مجتمعات وحكومات دول مجلس التعاون الخليجي تبرز مساع أكاديمية منهجية لمواجهة هذه الظاهرة المتنامية والخطيرة التي لا يمكن التقليل من خطرها، وذلك عبر تأهيل جيل جديد من الإعلاميين الجدد، وكوادر قادرة على مواكبة التطورات السريعة في صناعة الإعلام، يتمتعون بالقدرة على التمييز بين الحقيقة والتضليل، يتجاوزون التعليم في قطاع الإعلام انه مجرد كتابة الخبر، بل مطلوب منهم تقييم صدقية الأخبار والمعلومات للوصول إلى الحقيقة، وبشكل خاص مواجهة الأخبار المضللة والمكذوبة على منصات التواصل الاجتماعي.
للجامعات دور حاسم في إعداد الكوادر الإعلامية، ولا يكتفي الإعداد بالجانب النظري، بل يمتد إلى الجانب التطبيقي الذي يشمل إنشاء المحتوى الرقمي وليس فقط التقليدي، التي أصبح يتماشى مع حاجات السوق، ومن المهم فهم الجانب التجاري من العمل الإعلامي وتحليله، حيث يبلغ حجم سوق الإعلام الرقمي إلى أكثر من 832 مليار دولار بحلول 2030 مقابل 215 مليار دولار لحجم سوق العلاقات العامة في العام ذاته في السعودية.
لذلك من المهم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي حتى يتمتع الإعلامي بالمهارات التقنية والتحليلية والاتصالية المطلوبة، ومن المهم أيضا اختيار الكفاءات التي لديها القدرة على تغيير المشهد الإعلامي بشكل جذري يتماشى مع التغيرات المتسارعة في صناعة الإعلام والتفاعل العملي مع البيانات وتحليل الحملات الإعلامية والتحليل النقدي، والتأصيل الأخلاقي، والقدرة على التكيف في بيئة إعلامية تتطور باستمرار
لا شك الإعلام يعاني مواكبة تحديات كثيرة أبرزها استخدام الذكاء الاصطناعي الذي حل محل المصادر الموثوقة لمجرد مواكبة منصات الإعلام الرقمي، مما يقلل من مهمة الإعلامي الموضوعية، لكن الصحف العريقة بما تمتلكه من كفاءات إعلامية لديها القدرة على التكيف عند نقل الأخبار الموضوعية إلى الشعوب العربية التي تخطفتهم الأيديولوجيات وصحفها التي تلعب على استثارة العواطف، وهي حرب على الحقيقة، وبشكل خاص تستهدف فئة الشباب من أجل التهييج وتكفير المسلمين وإلقاء المستضعفين لقمة سائغة لليهود، تتجه نحو تجنيدهم وتحشيدهم لصالح مشاريع خاصة التي هي على حساب الأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية في الدول العربية.
لا زالت هناك صحف تقليدية تمتلك الدور القيادي تهتم بالتدقيق في المعلومات قبل نشرها لضمان مصداقية المحتوى الإعلامي، ولديها القدرة على دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار لقدرتها المتقدمة في تدقيق الأخبار والتحقق من المصادر وتحليل البيانات والنصوص، وبشكل خاص يمكن للذكاء الاصطناعي التأكد من صحة الصور والفيديوهات المنتشرة على المنصات الرقمية من أجل أن تمتلك المصداقية، خصوصا في زمن الإعلام الرقمي الذي يسمى بالإعلام الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك ( الإعلام الجماهيري ) وهو إعلام موازي استعصى على التكميم أو التعتيم، وهم مراسلون قبل أن تصل كاميرات الإعلاميين ومراسليهم.
وهذه المنصات الرقمية فرصة لرعاة التضليل في نشر وجهة نظرهم المضللة تجاه حدث ما يسمى ( بالإجماع الشعبي ) وطوفان جماهيري لا قبل للأخرين بهم وفق الكثرة تغلب الشجاعة، وهي حرب ضروس بين الحق والباطل الذي يتزايد انتشاره وبكميات ضخمة يتم تداولها من البيانات، وهو إعلام بلا قواعد وتواصل بلا ضوابط وبلا اكتراث للمحتوى، مع تبدل سلم القيم والأخلاقيات في مواجهة التزييف والتضليل بهدف دفع بخاصة الشباب إلى اتخاذ قرارات خاطئة أو الإقدام على أفعال مبنية على أساس الخطأ.
يعتبر التضليل الإعلامي جرم يقوم بتزوير الحقائق دون أن يكتشفها الانسان البسيط أو المؤدلج لأنه يعتمد أساليب التورية ويعتمد الإيحاء الذهني والفبركة خاصة في ظل الأحداث التي تمر بها المنطقة، وبشكل خاص في غزة، يقابل هذا التضليل الإعلامي أيضا تغطية إعلامية غربية وإن كان بعض الإعلام الغربي تراجع عما نشره من تضليل خصوصا بعد السابع من أكتوبر لإيصال الحقيقة نتيجة الضغط الشعبي العالمي الذي انتقد تضليل إعلامه الذي يبث معلومات مضللة بعدما تعرف على الحقيقة عبر الإعلام الاجتماعي، حتى فقد هذا الإعلام مصداقيته ولم يعد إعلاما محايدا أو مستقلا.
لا زال كثير من الصحف التقليدية تقوم بدور في مواجهة التزييف والتضليل الإعلامي في عصر ما بعد الحقيقة كمرجعية موثوقة، لأن الصحيفة تتحقق من الحقائق بما لديها من رقابة تحريرية وصحافة استقصائية مستثمرة تاريخها الإعلامي الممتد لأربعة عقود، باعتبار أن التحقق هو أساس العمل الصحفي، خاصة في عصر يتسم بانتشار المعلومات المضللة، والمحتوى المزيف، وهي قادرة على أن تبقى المثل والقيم حاجة ضرورية لمن يخوض بحار الإعلام ويتحمل أمانة هذه المهنة العظيمة ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ).
لمواجهة المعلومات المزيفة والتضليل الإعلامي عادة يتم استخدام التحليل البصري، والتعليم الآلي، والتعاون بين المؤسسات الإعلامية والتكنولوجية لتحسين سرعة الاستجابة، وتتبع المصدر لضمان أصالة المحتوى لتوفير معلومات موثوقة للجمهور.
لا زالت الصحف التقليدية روافد إعلامية رصينة تعتمد على الحقيقة ولغة الإقناع وتناول القضايا من كافة جوانبها لتوضيح الحقائق، على خلاف الإعلام الذي له أجندات خاصة، فهو يجول ويصول بعيدا عن الحقائق معتمدا على وسائل بتر الحقائق لتغييب الحقائق، بل لديه القدرة على الاستخدام المكثف للغة التبريرات على غرار وعد بلفور في 2017 الذي أعطى اليهود فلسطين التي لا يملكها وطنا قوميا لليهود لمن لا يستحقون، والاثنان من لا يملك ومن لا يستحق بالقوة والخديعة، أن يسلبا صاحب الحق الشرعي حقه، فيما يملكه وفيما يستحقه.
ومن أكثر وسائل التضليل الإعلامية الدعاية التي في جوهرها عملية إقناع ممنهجة، حتى أصبحت أساس من أسس العملية الإعلامية الدعائية التي تتمظهر بمظهر الصدق وإخلاص النوايا بل والنصح في أحيان كثيرة، فيما هي تبطن الشر فقط من أجل الاستحواذ على العقول ( وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ) فيما هو كاذب فقط من أجل أن يتجه إلى غسل الأدمغة، كما في كتاب هربرت شيللر ( المتلاعبون بالعقول ) من يسيطر على الإعلام يسيطر على العقول.
إلى جانب التكرار لاختراق أذهان الحشود التابعة والولوج إلى ذاكرتها لتعزيز تبعيتها لها لتوظيفها متى شاءت إلى جانب استدعاء الموروثات المكتسبة وهي أساليب تتبع التأثير وتحريك العواطف والحماس وغرس الحقد والكراهية، إنها دائما عند أصحاب تلك المشاريع وسيلة لتحقيق هدف ومشروع والعبرة بالمحصلة، ومن أوجه التزييف الإعلامي قلب المفاهيم لتزييف الحقائق وطمس معالمها حتى لو تم لي أعناق المسلمات التاريخية مثل عبارات مستوطنات بدلا من مستوطنات محتلة من أجل خلق واقع جديد لا علاقة له بالواقع الحقيقي.

أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة أم القرى سابقا

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى