التوترات بين الهند وباكستان التي تشهدها القارة الآسيوية الآن ليست الأولى من نوعها، فقد أعتبرت تلك المنطقة منذ العام 1947 من أبرز مناطق الارتطام في العالم. وقد جاءت التوترات الحالية في أعقاب الهجوم الإرهابي في باهالغام التي تقع في الجزء الخاضع لإدارة الهند من كشمير المتنازع عليها من قبل الدولتين الجارتين اللدوديتين منذ العام 1947، والذي أسفر عن مقتل 26 مدنيًا في أسوأ واقعة إرهابية منذ سنوات، اتهمت نيودلهي على إثره إسلام أباد بدعم المسلحين الذين نفذوه رغم نفي باكستان مسؤوليتها عن تنفيذ الهجوم وعدم تقديم الهند أدلة حتى الآن. وقد طالب مسؤولون هنود بالعمل على تعليق العمل بـ”معاهدة مياه نهر السند” لتقسيم المياه، وطالبت نيودلهي الدبلوماسيين الباكستانيين بمغادرة الهند خلال أسبوع، كما أغلقت المعابر البرية الحدودية مع باكستان، وخفضت التمثيل الدبلوماسي، وألغت تسهيلات التأشيرات وطردت مستشاري الدفاع الباكستانيين.
ويرى العديد من المراقبين أن الحادث الإرهابي في كشمير الهندية ليس السبب الوحيد لاشتعال الأزمة، فقد سبق ذلك موجة الكراهية العارمة التي شنها القوميون الهنود مؤخرًا على مسلمي الهند، إلى جانب مياه نهر السند التي أصبحت ورقة ضغط جديدة.
ويثير التوتر الجديد بين الهند وباكستان العديد من التساؤلات : هل يؤدي هذا التوتر إلى اندلاع حرب جديدة بين البلدين النوويين؟ وهل ستكون حرب محدودة أم شاملة؟ وهل من مصلحة واشنطن التدخل للحيلولة دون اندلاع تلك الحرب، وهل سيؤثر تدخلها على جهودها التي تقوم بها الآن في التوسط بين روسيا وأوكرانيا لإنها الحرب بينهما علمًا بأن واشنطن تلعب دور الشريك الرئيسي لكلا البلدين بعد أن كانت حليف رئيس للهند فقط ؟
ومعلوم أن العلاقات الأمريكية الهندية توطدت في السنوات الأخيرة وازدهرت في ظل إدارة بايدن، لا سيما بعد زيارة الرئيس مودي لواشنطن هام 2022، حيث وُقّعت صفقات للإنتاج المشترك لمحركات الطائرات المقاتلة وبيع طائرات أمريكية مُسيّرة للهند، ولكن العلاقة العسكرية بين واشنطن وإسلام لكن العلاقات الأمريكية – الباكستانية شهدت هي الأخرى تحسنًا ملحوظًا في غضون الوقت نفسه.
حيث تشكل طائرات إف-16 المقاتلة والأسلحة الأميركية الصنع العمود الفقري للترسانة الباكستانية ــ على الرغم من أن المخاوف الأميركية بشأن ما يقال عن الدعم الباكستاني للإرهاب تسببت في الكثير من العقبات في الماضي.
لا شك أن من مصلحة واشنطن التدخل للحيلولة دون اندلاع الحرب بين الهند وباكستان، فاندلاع الحرب من شأنه أن يؤدي إلى تراجع دورها في التوسط لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتراجع مشاريعها في منطقة الشرق الأوسط، وسيصرفها عن الحرب الاقتصادية التي تشنها على الصين، كما أن حرب شاملة في حالة اشتعالها ممكن أن تؤدي إلى اتساع رقعة النزاع، والخيار الأول أمام الرئيس ترامب في هذا المجال هو الوساطة والضغط على الدولتين، وهو ما تمثل في المحادثات المنفصلة التي أجراها وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو مع رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف ووزير الخارجية الهندي س. جايشانكار لعدم التصعيد وضرورة الحفاظ على الأمن والسلام. غير أن الوساطة الأمريكية تفقد الكثيرمن فاعليتها بسبب عدم تعيين واشنطن سفراء لها في الهند وباكستان.
وتمثلت الضغوط الأمريكية في تصريح نائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، بأن واشنطن تأمل في أن تُساعد باكستان في ملاحقة المسلحين الذين يقفون وراء الهجوم. وحثّ فانس – في ذات الوقت- الهند، على ضبط النفس حتى لا يتحول التوتر إلى حرب بين الجارتين النوويتين. وقال فانس في مقابلة مع برنامج “تقرير خاص مع بريت باير” على قناة فوكس نيوز: “أملنا هنا هو أن تردّ الهند على هذا الهجوم الإرهابي بطريقة لا تؤدي إلى صراع إقليمي أوسع”. وجاءت تعليقات فانس منسجمة مع تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، الذي تحدث مع كبار المسؤولين الباكستانيين والهنود، ودعا الطرفين المتنافسين إلى العمل معًا “لتهدئة التوترات”. رغم الجهود الأمريكية وجهود الأمم المتحدة إلا أن المرجح حتى الآن إمكانية توجيه ضربة عسكرية محدودة إلى باكستان ردًا على ما وصفته بالهجوم الإرهابي الصادرعن باكستان، وتعهد باكستان بالرد عسكريا. ورغم إبداء موسكو وبكين الرغبة في التوسط بين الهند وباكستان، إلا أنه من المعروف أن كلا البلدين يشكلان حليفًا لباكستان. ويعتقد العديد من المحللين أنه في حالة اندلاع حربًا شاملة بين الهند وباكستان فإن الصين ستدعم باكستان. الأيام القليلة المقبلة ستحمل الجواب: هل تندلع حرب جديدة بين الهند وباكستان؟ وهل ستكون محدودة أم شاملة؟ وإلى أي مدى ستؤثر على الخطط والمشاريع الأمريكية في جنوب آسيا ومنطقة الشرق الأوسط؟

0