في ظل التحولات الرقمية التي يشهدها قطاع الإعلام والاتصال فإنه لم يعد دور الكليات والأقسام المتخصصة مجرد التعليم بل التوسع في إطلاق البرامج والمشاريع والمبادرات للتأهيل والتمكين المعرفي والمهاري والمهني للطلاب والطالبات لسوق العمل والخروج من صندوق الورق إلى عالم الأعمال والمهنة والاستثمار في كل ما تعلموه من معارف واتضح ذلك جليا من خلال مشاركتي في مؤتمر الاتصال الرقمي في نسخته الأولى الذي نظمته كلية الاتصال والإعلام بجامعة الملك عبد العزيز بجدة الذي لم يكن مؤتمرا اعتياديا بل حدث استثنائي في رسائله وأهدافه وأفكاره الإبداعية والابتكارية وكأن هذا المؤتمر تجسيد عملي لفكرة أن التعليم وحده لم يعد كافيا بل لا بد من بيئة تعليمية تصنع المؤثر لا المتلقي وتحتضن المبادرات لا المناهج وحدها فلقد رأيت في كل زاوية من المؤتمر وفي كل فعالية كيف تصقل الكفاءات من خلال الحوار المباشر مع النماذج الملهمة والاحتكاك بالخبرات وطرح الأسئلة التي لا تجيب عنها الكتب بل التجارب والممارسات الناجحة.
تميز هذا المؤتمر بتنظيم إحترافي بقيادة رائدة من الأكاديميين والأكاديميات أعضاء هيئة التدريس الموقرين وبتنفيذ رائع من طلاب وطالبات مبدعين وكأننا في مساحة دراسية تفاعلية للتعليم من خلال التجربة وهذا امتداد حي لاستراتيجية طموحة أطلقتها كلية الاتصال والإعلام بعنوان “تأثير” بقيادة عميد الكلية سعادة الدكتور أيمن باجنيد استراتيجية وضعت نصب عينها أن تكون الكلية منارة للكوادر الإعلامية القادرة على التأثير والمنافسة مهنيا وعلميا ومجتمعيا هذه الرؤية لم تأتي من فراغ بل جاءت في سياق وطني أوسع تبلور في إعلان معالي وزير الإعلام الأستاذ سلمان الدوسري عن “عام التأثير” لنقل الإعلام من دوره التقليدي إلى دوره الحيوي كمساهم في بناء الهوية الوطنية وصناعة الوعي وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة ٢٠٣٠.
ما رأيته في المؤتمر من شراكات إعلامية كبرى ومعرض يجمع الجهات بكافة القطاعات وجلسات علمية وورش عمل تطبيقية ومبادرات طلابية مبتكرة يعكس بوضوح إلتقاء “تأثير” مع “عام التأثير” هذا التلاقي لم يكن شكليا بل جوهريا يظهر كيف يمكن للمؤسسات الأكاديمية أن تتحول إلى منصات تأثير حقيقي لا سيما حين تبنى على شراكات استراتيجية ورؤية طموحه وإرادة إدارية تفتح أبوابها للطلاب والطالبات وانا لا أتحدث عن صناعة مؤثرين فقط بل عن صناعة الأثر الذي يعكس طموح الوطن بأن تكون الجامعات منارات علمية تصنع المستقبل.

0