انفض السامر، انتهت الحفلة الكبيرة، وتحقق الحلم…
الأهلي السعودي بطل آسيا، اعتلى عرش القارة الصفراء.
الألماني الشاب يايسله قاد «الماكينات الأهلاوية» إلى ذروة المجد.
“رحلة أهلي جدة” نحو ذهب آسيا قصة من قصص الكفاح الكروي المذهلة، قصة لا مثيل لها، ملامحها العامة راوحت بين السقوط ثم النهوض. يقول الزعيم الأفريقي الشهير نيلسون مانديلا: (إن أعظم مجد في الحياة لا يكمن في عدم السقوط أبدًا، ولكن في الوقوف في كل مرة نسقط فيها).
سقط الأهلي قبل عامين، وظن من ظن أنه قد انكسر، وانثلمت شأفته، فإذا به ذلك “المارد الذي يخرج من القمقم”، عاد أسدًا يزأر، وفي عينيه حلم طموح بعيد… بعيد… بعيد، طموح أن يكون ليس بطلاً محليًا، بل زعيمًا للقارة بأكملها.
وما ذاك إلا لأن معدنه من ذهب، وعزيمته من حديد، وهمته بحجم السماء. يقول ونستون تشرشل: “كُل الذين نهضوا بعد السقوط… لم يُغيّروا أقدامهم، بل غيّروا عقولهم.”
…
ليلة 3 مايو 2025 لم تكن مجرد مباراة فاز بها الأهلي على كاواساكي الياباني فقط، ولا ليلة تتويجه بطلًا لآسيا فحسب، بل كانت قصة مجد انتُزِعَت من قلب الزمن؛ مجد من نوع آخر كتبها للتاريخ كل أهلاوي مهما كان موقعه. قصة تصلح نموذجًا لكيف تطارد حلمك بشغف، كيف تؤكد على أصالتك وهيبتك. قصة كيف تحارب بكل شراسة، وتقاتل بكل استماتة من أجل هدفك، من أجل أن تكون بطلاً، و”تتصدر المجلس”.
…
التاريخ قال كلمة الفصل: الأهلي زعيم القارة، وسيد آسيا بلا منازع، في لقب يليق بالملكي، وأيضًا يليق بالقارة أن يكون الأهلي فارسها الأول. يقول الناقد الرياضي د. تركي العواد: (كرة القدم لا تعطي دائمًا من يعطيها، ولكنها هذه المرة تخلّت عن جنونها، وتحلّت بالحكمة والمنطق، وأعطت من يستحق فرصة لكسب الذهب).
أما أنا فأقول: إن الأهلي قد اختار الطريق الصعب، طريق المغامرة الخطرة، ثقةً منه بنفسه، ورغبةً في مجد لم يحققه من قبل. زهد في المنافسات المحلية، وأدّخر قوته لمنعطفات بعيدة وشاقة، ونجح في مغامرته المجنونة بعقلية الحكماء.…
ففي رحلته لمطاردة حلمه، لقب زعامة آسيا 2025، لم يستطع أي أحد أن يهزم الأسد الأهلاوي من كل فرق غرب وشرق القارة (حالة استثنائية)، وظهر وكأنه ليفربول، أو ريال مدريد، أو برشلونة؛ فريق سعودي بنكهة أوروبية، هجوم ناري، ودفاع إسمنتي، ووسط يعزف موسيقى بيتهوفن الكلاسيكية الخالدة – أعظم موسيقى في التاريخ.
الأهلي، منذ ولادته عام 1937، وهو رفيق المجد والتحديات، ولقد كان من حسن حظه أن فتح عينيه على ضفاف بحر واسع، استمد منه الصلابة والصبر، فتمرس في ملاحم الإبحار فوق الأمواج والأهوال. ثمانية وثمانون عامًا جعلته أيقونة مدينته الفاتنة جدة، فكان في عين مدينته وفي شغافها. ولذلك قال عنه الشاعر: “جدة كذا أهلي وبحر.”
فوز أهلي جدة بكأس نخبة آسيا جاء كأول ثمرة للمشروع الرياضي السعودي، حيث كان الملكي في الموعد، وشرّف الكرة السعودية بمربع نجاح متناغم (مدرب ذكي، لاعبون محاربون، إدارة واعية، وجمهور داعم).
…
عريس الحفلة الكبيرة، عريس آسيا، توشّح البشت العربي، ورقص العرضة السعودية، وردّد مع أنصاره الكثر نشيده الخالد (وعبر الزمان سنمضي معًا) في كرنفال جماهيري لا مثيل له، وقد رصّعت آسيا رأسه بتيجان المجد وأكاليل الغار، ليسير مُنْتَشيًا في كل شرايين القلوب قبل شوارع القارة.
يسير والناس من حوله تزفّه وتصفّق بحماس، وهو أمامهم “واثق الخطوة يمشي ملكًا”