المقالات

جُبة الغامدي .. والدكتور بطاطس

(جاء وقت الجُبّة) …. هذا الجملة كانت الشرارة التي قدحت في دماغي، لتكون الكلمة المفتاحية لهذا المقال.
لكن، ما القصة بالضبط …؟
كنت أتراسل مع صديقي الروائي والشاعر محمد محسن الغامدي، صاحب رواية (ولد صندلة) التي أصدرها عام 2019 .. وإذ بابن قرية جبل السحير بوادي فيق بالباحة، يفاجئني برواية جسدت شخصية الأب القلق الصارم والأم المهدئة لتلك الصرامة، في تنام نفسي صعودًا وهبوطًا مع الأحداث، وهو ما يحسب للرواية فالروايات المحلية التي تتناول الجوانب النفسية قليلة، وكأني بالرواية تُقدِّم خطابًا في القسوة التي لم يشهدها جيل اليوم، وتتطرق لبعض تقنيات العلاج النفسي.
ومما قال فيها: (يدلل الآباء أبناءهم، بينما كان يخاطبني أبي كطفل غريب عنه، ويقول: أبغي أطلّع رجّال، ما أبغى رخوم …!!، لكن ما ظل يصيبني بالإحباط هو ما كان يقوله لي: “يا جمعان يا ولد صندلة)”.
..
ما تقدم أعلاه استطرادًا …. وإلا فعقدة المقال هي:
(جاء وقت الجُبّة) …!!
هذه الجملة رأيتها مكتوبة في صدر حسابه في “واتساب”، وهي متسقة من الراهن الظرفي، فنحن الآن في ذروة الشتاء، الذي يحتل حيزًا في حياتنا من (21 ديسمبر 2024 إلى 20 مارس 2025) والجُبة الجنوبية لمن لا يعرفها هي لباس شتوي … جُبة جنوبية بيدي – مصنوعة محليًا يدويًا من الصوف الخالص، وقد كان الكثيرون يرتدونها كحماية من البرد القارس، غير أنها الآن انحسرت بل وتصارع من أجل البقاء.
وتلك في الواقع جملة ذكية مكثفة، تستنهض الدلالات والتأويلات، بين المكون الفلكلوري والقيمة الإنسانوية بعمقها الفلسفي.
..
لكن ثمة صدفة هنا…. أو لعله رابط من طرف خفي.
فقبل أن أكتب هذه السطور رأيت في الحي المجاور لنا، لوحة على محل صغير، مكتوب عليها (دكتور بطاطس) …. هكذا – كلمتان فقط ….!
وعلى الفور انعطفت بسيارتي وأنا لا ألوي على شيء، وبداخلي فضول كبير للتعرف على أخينا الدكتور بطاطس، وما يكون من أمره، في الأثناء فكرت للحظة، وسألت نفسي: أهو طبيب مثلًا ….!؟ … أو لعله دكتور في علم الزراعة ….!؟ … أم تراها مجرد ممارسة تسويقية ذكية لطعام من الأطعمة المعروضة، دخلت المكان وإذ بي أشتم رائحة القلي من الباب، يااااه إنها بطاطس مقرمشة شهية، مع صوصات متنوعة، وشباب باعة مملوئين بالديناميكية والحيوية.
..
والحقيقة ….. أن التسويق والحذاقة في الترويج فعل ذكي احترافي. واخواننا التجار يعرفون أن التسويق حجر أساس مهم ضمن حزمة إجراءات تجعلك تنجح في تجارتك، وهناك من يرى التسويق علم يُدرس في القاعات، وهناك من يراه مهارة مكتسبة بناء على موهبة وفطرة تسندها وتعززها الخبرة الحياتية، بحيث تكون في النهاية فنًا بجانب كونها علمًا.
..
وحتى لا أطيل ….
أختم بموقف من التاريخ، يوضح لنا مهارة وفكر التاجر عن غيره من الناس، فهذا عبدالرحمن بن عوف الصحابي الجليل، صاحب التجارة والبساتين والبيوت، وقد تركها وراء ظهره في مكة واستولى عليها كفار قريش، وأختار أن يهاجر إلى الله ورسوله ﷺ بكفين صفرًا من المال … لكن ماذا حدث لاحقا ….؟
عرض عليه الأنصار بالمدينة الكثير من العروض لكنه رفضها، وقال: “فقط دلوني على السوق؟”
تقول الكاتبة سلوى العضيدان، إن قانون «دلوني على السوق» يجب أن يتم تدريسه في مناهج أبنائنا، ويزرع في عقولهم، حتى يؤمنوا به، ويعملوا بمقتضاه.
وقد تعددت الروايات في كيف بدأ ابن عوف تجارته، لكنني أظن أنه كان يرى زوايا لا يراها غيره بفضل مهارته التجارية، فأشتغل عليها بإخلاص وصبر، حتى عاد ثانية من أغنى الأغنياء، ويُروى عنه أنه قال عن نفسه – رضي الله عنه:
“لقد رأيتُني لو رفعتُ حجرًا بالمدينة لرجوت تحته فضة وذهبًا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى