لا يوجد قائد تمكَّن في سنوات معدودة أن يوحِّد قبائل بدوية مشتتة ومتنازعة ومتنافرة وبينها منافسات وثارات حادة وأن يوجه هذه الطاقة الموحدة فيحتل الصين وروسيا والهند وأن يمتد غربا حتى سواحل البحر الأبيض المتوسط وأن يؤسس أوسع امبراطوية خلال سنوات معدودة ومن البديهي أنه لم يتخرج جنكيز خان من كلية عسكرية !! ولا من هيئة الأركان !!! هذه حقيقة بديهية ولكن لابد من التنبيه إلى أن الدارسين في الكليات العسكرية يتعلمون من أساليب القادة العظام الذين تفيض منهم القدرات القيادية كما يفيض التنفس إنها العبقرية الفردية الخارقة التي لا تجود إلا بولادة فرد واحد من بين ملايين المواليد فالكليات العسكرية تعَُلِّم أساليب وتكتيكات وخطط ماو تسي تونغ مثلما يعلمون أساليب جنكيز خان إن جنكيز ونابليون وهتلر يقدمون شواهد قوية على أن الشر قد يرافق العبقرية بعكس ما يتوهم الكثيرون بأن العبقرية ثناء مطلق وتزكية مفتوحة أما الحقيقة فهي أن العبقري قد يكون كتلة مُرَكَّزة من الفظاعات والشرور ……
لقد انبهر العالم بفتوحات الاسكندر المقدوني وما زالوا منبهرين أما الحقيقة فهي أن فتوحات جنكيز خان كانت أضعاف فتوحات الاسكندر لكن الاسكندر كان يحمل رسالة حضارية وهذا هو الذي أعطى فتوحاته هذا الزخم على مر القرون ….
قبل جنكيز خان كانت المشيخات القبلية هي السائدة وكانت هذه القبائل في حروب ونزاعات لا تنتهي ولم يكن هناك ما يوحي بهذا التحول النوعي فالتمحور العشائري شديد التحجُّر فتطويعه هو عمل خارق …..
كان على جنكيز خان أولاً أن يحول المغول من قبائل متناحرة إلى أمة مُوَحَّدة ومتماسكة وهذا هو الانتصار الأعظم الذي حققه للمغول لقد حقق انتصارًا ثقافيا هائلا بدمج المتقاتلين وتوحيدهم في أمَّة واحدة وتوجيه طاقتهم الموحدة لغزو العالم وتأسيس أوسع الامبراطوريات في التاريخ …..
إن جنكيز خان من دهاة القادة خلال التاريخ كله فهو ليس فقط عبقرية عسكرية وإنما كان كما يقول المؤرخ الألماني بيرتولد شبولر : ((إن الصفات الفائقة لجنكيز خان وشخصيته الفذَّة لا تظهر فقط في الانتصارات العسكرية بل في ميادين أخرى ليست أقل أهمية إذ لا يسعنا إلا أن ننظر بإكبار وإعجاب إلى منجزاته كمشرِّع قانوني ومُنَظِّم للأمة المغولية))
لكنه كان قائدًا بالغ القسوة فلا يعرف الرحمة ويقتل البشر جماعيا بوحشية لا سابق لها ويبرر قسوته بأنه يرى أن المقهورين لابد أن ينتفضوا ضد الغالب متى استطاعوا لذلك كانت سياسته تقوم على مبدأ فظيع يجسد قسوة المغول وفظاعتهم وخشونتهم وتجردهم من الحس الإنساني فالمقهور في نظر جنكيز خان يجب تدميره وسحقه وإبادته دون أية شفقة فالنصر يبرر عنده أي فعل مهما بلغ من الفظاعة والوحشية فملأ الأرض بالجثث فأرهب العالم وصارت المدن تتساقط بسرعه أمام العنف الصارخ الذي تبناه دون رحمة يقول:
((إن الأمم المقهورة لن تُصادِق أبدًا الذين قهروها فلا يصح استعباد المقهورين بل يجب القضاء عليهم فإبادة المقهورين هي الضمان لسلامة القاهرين))
جنكيز خان فاجأ العالم بما لم يعرفوه فقد اعتمد اعتمادا كليا على الغارات الكثيفة المفاجئة المباغتة الصاعقة فكان يكتسح ما أمامه اكتساحًا سريعا صاعقا فجميع جيشه من الخيالة يركبون ظهورها ويشربون من دمائها فيقضون الساعات الطويلة وهم على ظهورها فيفاجئون ضحاياهم من دون أن يكونوا مستعدين وبهذا الهجوم الخاطف المفاجئ المباغت الصاعق اكتسحوا العالم بسرعة لا سابق لها في التاريخ ففتوحات المغول لا مثيل لها في في المباغتة والسرعة وإحداث أقصى درجات الهلع والارتباك والاضطراب في ضحاياهم.

0