المقالات

الدرعية.. الرسائل العميقة لزيارة ترمب إلى قلب الرواية السعودية

من قلب الدرعية، حيث تتداخل شذرات التاريخ مع رؤى المستقبل، وقف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أمام قصر سلوى، شاهقا كأحد رموز المجد المؤسس، ليستقبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مشهد لم يكن مجرد استقبال بروتوكولي، بل لحظة زاخرة بالدلالات، ومفعمة برسائل القوة والهوية والرؤية.
في حي الطريف، ذلك الحرف الأول في السجل السياسي والثقافي للدولة السعودية، لم تكن الجولة بين القصور الطينية والأروقة العتيقة مجرد استعراض لماضٍ مجيد، بل كان الأمير يخطّ بوعي نادر سردية جديدة للعلاقة مع واشنطن، منسوجة بخيوط السيادة والشراكة المتوازنة.
حين أطلع ولي العهد الرئيس الأميركي على المخطط التطويري للدرعية، بدا وكأنه يقدم للعالم ترجمة بصرية لمعادلة سعودية جديدة : الجمع بين الإرث العريق والطموح الذي لا سقف له، بين العمق الحضاري وجرأة التحديث . فقد أصبحت الدرعية، مهد الدولة، بوابة مستقبلها.
لئن كانت الرياض قد خطفت الأنظار بزيارة ترمب التاريخية، فإن انتقال الزيارة إلى الدرعية مثّل تحوّلا مدروسًا في الإخراج السياسي. فهنا، حيث تأسست أول دولة سعودية على يد الإمام محمد بن سعود عام 1727 ، و حيث دوّن التاريخ أولى صفحات الوحدة الوطنية، شاء محمد بن سلمان أن يقول لترمب وللعالم : من هنا بدأنا، وهنا نصوغ القادم.
الدرعية، الواحة المزدهرة منذ القرن الخامس عشر، لم تكن فقط عاصمة ثقافية وتجارية ، بل ظلت عبر القرون رمزا للثبات والبصيرة، ولم تغب عن الوعي السعودي الجمعي، فاستُحضرت رمزيًا في لحظات وطنية فارقة، واحتضنت في فبراير الماضي محادثات دولية رفيعة بين روسيا وأميركا برعاية سعودية، تأكيدًا على دورها كمنصة للسلام والتقارب.
وفي تزامن لافت، ترافقت زيارة ترمب مع انطلاق “منتدى الاستثمار السعودي الأميركي”، بحضور كبار رجال الأعمال من البلدين، لترتبط الدرعية مرة أخرى بتحولات استراتيجية تتجاوز الجغرافيا، وتعزز الشراكة التي تقترب من إتمام قرنها الأول.
إن استضافة ترمب في الدرعية لم تكن مجرد لحظة تصوير أمام الأبنية الطينية، بل كانت خطابًا غير منطوق، حمل توقيع محمد بن سلمان، عنوانه: السعودية الجديدة، تعانق أصالتها بقوة، وتبني علاقاتها على أرض صلبة، بعين على التاريخ وأخرى على الريادة العالمية.

فاليوم، تتحول الدرعية إلى ورشة كبرى ضمن مشاريع المملكة العملاقة، وتستعد لتكون عاصمة عالمية للتراث والثقافة، بفضل الهيئة التي أُنشئت خصيصًا لتطويرها عام 2017. تلك الهيئة التي لا تعيد ترميم حجر، بل تعيد سرد الحكاية، وتقدمها للعالم بشكل يليق بالمملكة التي قررت أن تكتب تاريخها بيدها.
في المشهد كله، بدا محمد بن سلمان لا يكتفي بلعب دور المضيف، بل يؤدي دور المهندس الحضاري، والراوي الرسمي لحكاية وطن، يعرف من أين بدأ، ويعرف بالضبط إلى أين يريد أن يصل.

حذامي محبوب

صحفية تونسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى