اقتصادالمقالات

عيدكن لا يخصني

تَمَسْكَنت المرأة حتى تَمكَّنت، فبالعويل المتصل عن الظلم الذي ظل وما زال يلحق بها، صارت عندها قضية مصيرية، تشابه القضية الفلسطينية، في كونها تتيح حتى لمن لا يهب أو يدب، أن يفتي حولها، ويخرج بكوكتيل من النظريات، ثم يتواصل اللت والعجن، ولكن لا كعك أو خبز  

كان الثامن من مارس المنصرم هو اليوم العالمي للمرأة، ولكن بمعنى ماذا؟ بصراحة: لا أعرف. نعم، لا أعرف ما هو المطلوب مني كأحد سكان “العالم” في ذلك اليوم، بل لا أعرف ما هو المطلوب من النساء فيه، ثم جاء اليوم الحادي والعشرين من نفس الشهر فقالوا لنا إنه عيد الأم. كيف هو عيد الأم؟ هل هو عيد الأمهات من طرف أم أمهات معلومات؟ لماذا لم تأخذ أمي -رحمها الله- علما بهذا العيد؟ أفي الأمر خيار وفقوس؟ (بالمناسبة أنا لا أعرف ما هو الفقوس، ولكنني نتاج تعليم ببغاوي جعل عقلي في أُذني) .

في تقديري، فإن الأمر لا يخلو من استهبال واستعباط للرجال، فعيد الأم الذي يطب علينا فجأة بلا تحرٍ للرؤية، مناسبة تقتنص فيها النساء الهدايا، ولي صديق كاد يفوز بلقب “خليع” عندما طالبته زوجته بتقديم هدية لها بمناسبة عيد الأم، فقال لها إن أمه توفيت وإنها ليست أمه، فصاحت فيه: يا تجيب الهدية يا أخلعك يا بخيل يا متخلف. ولنفي شبهة البخل والتخلف، وحرصا على الرابطة الزوجية اشترى لها زوجين من الأحذية الإيطالية فنال لقب “متحضر وراقي” وأفلت من “الخلاعة” الناجمة عن الخلع، وما يثبت أنه شخص مستنير هو أنه اختار الحذاء هدية للمرأة، والأحذية تأتي في المرتبة الثانية بعد الحلي في قائمة “أفضليات” النساء.

تحضرني هنا طرفة الرجل الذي تَعَنْتَر وتجَبّر، ورفض ان يشتري لزوجته في عيد الأم حتى فطيرة جبن، وحدث بينهما تلاسن شديد اللهجة، انتهى بأن رمى عليها يمين الطلاق، فكان الفراق، وبعدها بشهور قليلة، توفي

  

والد الزوجة وورثت عنه أموالا سائلة وعقارات فخمة، فاتصل صاحبنا بزوجته وقال بصوت يحنن قلب نتنياهو: أنا حامل

وكي لا تجعلنا تلك الحكاية موقع شماتة النساء، أروي لكم واقعة نقلا عن جريدة ذا تايمز اللندنية، عن بريطانية من أصل هندي اسمها أنيتا باتيل، رفعت قضية ضد مستشفى خضع فيه زوجها لعملية جراحية، وقالت في شكواها إنها تطالب بتعويض مالي كبير، لأن الزوج صار ينفر منها بعد إجراء الجراحة، وقدم المستشفى مستند “الدفاع”، وجاء فيه إن الزوج خضع لجراحة لإزالة المياه البيضاء من العين، وصار أفضل قدرة على الابصار .

سأكف عن الهذر، وأقول إن مقياس رقي وتحضر الرجل هو الطريقة التي يعامل بها أخواته وزوجته وبناته، واعتقد أن انصاف المرأة يجب أن يبدأ من البيت، فبناتنا يعانين من التمييز إذا كان لهن إخوة ذكور، فنحن لا نرى بأساً في أن يفعل الولد ما يشاء، مرتكباً الأخطاء، بمنطق “معليش،  ولد، يكبر ويتصلح”، وبالمقابل فإننا  نعتبر المرأة حاملة لكل أنواع الباكتيريا والجراثيم المسببة للأمراض الاجتماعية، ونرى أن معظم حركاتها وسكناتها موضع ريبة، وفي قاموسنا الاجتماعي فإنه إذا كان الزمن كفيلا بعلاج عيوب الذكر، فإن الأنثى لا ينصلح حالها وتظل معيبة إلى اللحد، ولا تتعلم من أخطائها.

 والواقع والأرقام تكذبنا: لن تجد أكثر من امرأة واحدة جانحة بين كل خمسة آلاف جانح، ولن تجد أكثر من عشر نساء من بين مليون شخص يتعاطون المخدرات، وفي مجال العمل هناك امرأة واحدة من بين كل 50 ألف موظف تقبل الارتشاء أو تمارس الاختلاس، والمرأة أكثر قدرة من الرجل على الوفاء وحفظ الود والجميل، وكافة الدراسات التي أجريت في الشرق والغرب، أثبتت أن عدد الرجال “غير الأوفياء” ثلاثة أضعاف النساء غير الوفيات، والمرأة تعرف العيب و “الواجب” أكثر من الرجل لأنها تتمتع بحساسية اجتماعية راقية

ونعرف أنا وأنت أن زوجاتنا من يؤنبننا لأننا لم نتصل بوالدينا أو إخوتنا المقيمين بعيدا عنا، أو لتقصيرنا في أداء واجب العزاء في الموتى، أو عيادة المرضى (فعندهن رادار يلتقط الأخبار وهي طائرة). صدقوني يا جماعة، لست “بتاع” نظريات، ولكنني عملت في تدريس البنات خمس سنوات في المرحلة الثانوية، ونلت تعليمي الجامعي في بيئة مختلطة، وفي جميع مواقع العمل كانت معي كتيبة من النساء، يعني أستطيع الحكم لهن أو عليهن من واقع التجربة والمعايشة: نسبة المنضبطات أخلاقياً ومهنياً بين النساء أعلى من الرجال!!

ولكن ذلك لا يعني أنني أؤمن بإطلاق الحبل على الغارب للبنات، من منطلق أنهن أكثر استقامة من الرجال “بالسليقة” في نواح بعينها، بل يعني أن نطبق نفس الضوابط الأخلاقية على الأولاد والبنات، ولا يجوز أن نسكت على فئة منا تأتي كل أنواع السلوك الفالت والمشين لأنهم “ذكور”، فالفاسد في نفسه مفسد لغيره، لنلجم الأولاد لنضمن عدم جنوحهم، وبذلك نضمن أنهم لن ينقلوا العدوى للبنات!.

جعفر عباس

كاتب صحفي (ساخر)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى