المقالات

الزواج شراكة لا سلطة: كيف نبني بيتاً على المودة والرحمة؟ (١-٢)

أسس ومبادئ لتفادي المشاكل الزوجية والطلاق في المجتمع

في زمن تتسارع فيه التغيرات وتختبر فيه العلاقات يبقى الزواج في عمق الثقافة السعودية قيمةً راسخة لا تقاس بالبذخ ولا تختصر في المظاهر بل تبنى على جوهرٍ عميق: المودة والرحمة.
لكن كثيراً ما يختطف هذا الجوهر خلف مفاهيم موروثة من بيئات لا تشبهنا اليوم تحول العلاقة المقدسة إلى ساحة صراع على النفوذ لا حواراً بين قلبين اختارا المضي معاً.
وهنا يصبح السؤال ملحاً: كيف نبني بيوتاً لا تهتز مع أول خلاف؟ كيف نحول الزواج من علاقة سلطة إلى شراكة حقيقية؟

قال تعالى:
“وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً”

وفي الحديث الشريف قال صل الله عليه وسلم:
“خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي”

لماذا تفشل بعض الزيجات في مجتمعنا؟

رغم النوايا الطيبة والبدايات الجميلة تفشل بعض العلاقات الزوجية بسبب غياب الفهم العميق لجوهر الزواج وغياب المهارات اللازمة للتعامل مع الخلافات الطبيعية.
الطلاق لم يعد ظاهرة نادرة بل أصبح واقعاً مؤلماً في العديد من البيوت السعودية ويعود ذلك إلى عدة أسباب أهمها:
• الاعتقاد بأن الرجل “يأمر” والمرأة “تنفذ”.
• غياب الحوار الحقيقي والفعال بين الزوجين.
• تدخلات الأهل غير المدروسة.
• الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي لا يصارح بها الشريك.
• قلة الوعي بمهارات إدارة الخلاف والتكيف العاطفي.

والحكمة الشعبية تقول:
“البيت ما يعمره إلا اللي ساكنينه”
فلا أهل ولا أصدقاء ولا عرف … يعوض عن التفاهم الحقيقي بين الزوجين.

أسس لبناء بيتٍ على المودة والرحمة
1. الشراكة لا السيطرة
الزواج ليس مسرحاً للقوة بل مساحة للرحمة والتعاون حيث يحمل كل طرف مسؤوليته ويسهم بما يستطيع لا بما يفرض عليه.
2. الحوار لا الصمت أو الصراخ
الحوار الواعي هو البوابة لفهم الآخر. والأصل أن نسمع بقلوبنا قبل آذاننا وأن نعبر لا لنجادل بل لنتقارب.
3. الخصوصية خط أحمر
لا تحل الخلافات الزوجية على طاولة الآخرين. خصوصية العلاقة حصنها في كتمانها.
4. الاحترام المتبادل أساس الحب الدائم
الحب دون احترام كجسد بلا روح. والكرامة حق أصيل لا ينتزع داخل جدران البيت.
5. المرونة والواقعية
ما من بيت يخلو من العقبات. لكن الفارق في من يرى الأزمة معاً لا في من يتبادل الاتهام.
6. الاهتمام لا يطلب .. بل يبادر به
الاهتمام اليومي لا يحتاج لميزانية بل لنبل قلب ولمسة حانية ونظرة تشعر الآخر أنه لا يزال في قلبك.
7. التجديد والتقدير
التغيير لا يعني الترف بل الحفاظ على حرارة المشاعر وسط روتين الحياة. كلمة طيبة أو مبادرة بسيطة قد تعيد الروح للعلاقة.

وختاماً الزواج ليس سباقاً لإثبات من يربح ومن يخسر بل هو سفينة لا تصل شاطئ الأمان إلا إذا أمسك الطرفان بالمجداف معاً وتحركا في اتجاه واحد: نحو الاتزان الفهم والرحمة.
وفي مجتمعنا السعودي حيث تتشابك العادات بالدين والتقاليد بالحب نحن أحوج ما نكون لإعادة تعريف الحياة الزوجية من منطلق الشراكة لا السيطرة والرفق لا الصراع.
فلنعد النظر لا في الطرف الآخر بل في أنفسنا … لأن بناء بيت على المودة يبدأ من قرار صغير: أن نكون لبعضنا سكينة لا معركة وأماناً لا عبئاً ورحمة لا ندية.

وهناك فقط … تنبت السعادة

• عضو هيئة تدريس – جامعة المؤسس

أ.د. عصام بن إبراهيم أزهر

رئيس وحدة الكائنات المعدية مركز الملك فهد للبحوث الطبية جامعة الملك عبد العزيز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى