«جواهريات..»
الزمن من الأمور الكونية التي لا تخضع لحكم البشر، فهو لا ينتظر، لا يُمهل، لا راحة له في وقت راحتك، يسير على طريقه وإلى انقضاء.
ذكر لنا المفكر الإسلامي مالك بن نبي في كتابه شروط النهضة حيث قال:
“الزمن نهر قديم يعبر العالم منذ الأزل، يغذي نشاطه بطاقته الأبدية، ولكنه نهر صامت حتى أننا ننساه أحيانًا، ويسمع الناس فجأة صوت الساعات الهاربة ويدركون قيمتها التي لا تُعوّض.”
يدق جرسٌ قائلًا: كل مرحلة من مراحل العمر لا بد من استغلالها بكل ما تحويه من خطأ وصواب، فمن أقبل على الخطأ فيما سلف سيأخذ عبرة توصله إلى الصواب حتمًا، فلا ضير، ومن كانت خطاه صائبة، جاءت له الدنيا رحبة تهديه أكثر مما يتوقع. وكل ذلك جرسٌ في مسمع اليقظ.
فالزمن الذي نعيشه، والوقت الذي نقضيه، هو مظلة تظلّنا نحن وتجاربنا وخبراتنا بصوابها وأخطائها. عندما أجدنا وتمكّنا، كنا في زمنٍ ما، شهِدته تجاربنا، وشهد هو خطواتنا. وعندما أخطأنا، كنا مع زمنٍ كان لنا بمثابة اليد الحانية، يربّت على كتف العزم لدينا.
فالحياة دار عمل وبذل وسعي، وهذه هي نواميسها. والمرء هنا ممتثل لشرع الله في كونه، يبذل قلبه اليقظ لله تعالى، ساعيًا سعيًا حثيثًا نحو خالقه: في عمله يكون مجاهدًا محتسبًا، وفي راحته يكون متأمّلًا متفكّرًا شاكرًا لنعمه تعالى، ممتنًا لخالقه.
فكل ذلك بين أكناف وقتٍ وزمنٍ عاشه المرء بعمره الذي يقضيه، وسيُسأل عنه، كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف:
“لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن جسمه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه.”
ما أبسط الحياة! وما أعذب مسالكها! هو مبدأ نبيلٌ هيِّنٌ ليِّنٌ، عالٍ سامٍ، علينا الأخذ به. من رغب فيما عند الله وسعى له بصدق النية، وبذل له عمره ووقته، أتته الدنيا راغبة خاضعة، فعند الله باقٍ باسق، وإليه المآب. كل الأمور بعد ذلك على يُسرٍ تسير، وكل وقت وزمن يتحول إلى رحابة وراحة.
فهذه هي الحياة، وهذه خُطاها؛ مثمرةٌ إذا كانت تسير نحو هدف نبيل. فالتجارب التي تنتهي ونحن قد توشّحنا منها ما نريد، وتريده أيامنا القادمة، حتمًا سيعلو صوت الحبور.
وألفتُ انتباهكم إلى مصفوفة أيزنهاور Eisenhower لإدارة الوقت، فهي سبيلٌ مثمر لنيل الرضا الذاتي نحو القادم من الأيام. فكلنا نعلم أن تراكم المهام أو تأجيلها يُحدث في النفس الشيءَ الكثير من المسؤولية المتبوعة بالتأنيب المستمر وجلْد الذات، وهذه طريقة هادفة لكسب الوقت، وجني ثمار البذل والسعي والرضا الذاتي.
كل الذي انقضى من زمن ووقت لا رجوع له. كل دقيقة الآن نُصب أعيننا. على المرء أن يلوذ للسعي ويمقت الركود.. وتنهيدةٌ تملأ المدى، وأيامٌ عامرة بالحياة