في عصرٍ تتسارع فيه وتيرة التطور التكنولوجي ، وتفيض فيه المعلومات من كل حدبٍ وصوب ؛ أصبح التفكير النقدي ضرورة لا غنى عنها للفرد والمجتمع على حد سواء ، فمع هيمنة التقنية على مختلف جوانب الحياة من التعليم والعمل إلى الترفيه والتواصل ؛ بات من السهل الوقوع ضحية للتضليل أو المعلومات الزائفة ما لم نمتلك الأدوات العقلية اللازمة للتمييز بين الحقيقة والوهم.
لقد مكّنتنا التقنية من الوصول إلى كميات هائلة من المعلومات بنقرة زر واحدة ، وهذا أمر إيجابي في ظاهره ، ولكن هذه الوفرة قد تتحول إلى عبء إذا لم يقترن ذلك بقدرة على التقييم والتحليل ، فليست كل المعلومات المتاحة على الإنترنت موثوقة، ولا كل ما يُتداول على وسائل التواصل الاجتماعي دقيق أو نزيه ، وهنا يأتي دور التفكير النقدي الذي يُمكّن الأفراد من تحليل المصادر، وفهم السياقات ، وطرح الأسئلة المناسبة قبل تصديق أو مشاركة أي معلومة.
يقول الفيلسوف الأمريكي جون ديوي:
“التفكير ليس قبول المعلومات الجاهزة، بل هو فحص نشط للحقائق والمعاني.”
وهذا جوهر ما نحتاجه اليوم في مواجهة الكم الهائل من المعلومات التي تُقدَّم لنا باستمرار.
وفي ظل الاعتماد المتزايد على التقنية في اتخاذ قراراتنا اليومية من شراء المنتجات إلى اختيار مصادر التعلم ؛ أصبح التفكير النقدي أداةً ضروريةً للتمييز بين الخيارات المتعددة ، فهو يُعزز القدرة على تقييم الفرضيات، وتحليل البيانات، واختيار الأفضل بناءً على معايير منطقية لا عاطفية أو دعائية.
وقد قالت العالمة النفسية ليندا إلدر:
“التفكير النقدي هو القدرة على الانخراط في التفكير المستقل والتفكير الذاتي والمساءلة.”
وهو ما نفتقر إليه أحيانًا عند الاعتماد الأعمى على التكنولوجيا أو على نتائج محركات البحث دون مراجعة نقدية.
ومع تطور أدوات الذكاء الاصطناعي وقدرتها على إنتاج محتوى يبدو “طبيعيًا”، يزداد الخطر من تقبّل هذا المحتوى دون تمحيص ، والتفكير النقدي هنا هو السلاح الأهم لفهم كيف تُنتج هذه الأنظمة محتواها، وللتشكيك البناء في صحتها، ومراجعة ما يُقدّم من نتائج وتحليلات ، كما صرّح ستيفن هوكينغ ذات مرة:
“أعظم عدو للمعرفة ليس الجهل، بل وهم المعرفة .”
وهو ما ينطبق تمامًا على المعلومات التي تقدمها التقنية دون تأكد أو تحقق.
وختامًا فإنّ التفكير النقدي ليس ترفًا فكريًا في زمن التقنية، بل هو مهارة حياتية أساسية ، والاستثمار في تنمية التفكير النقدي سواء في المناهج التعليمية ،أو في الحياة اليومية ؛ هو الضمان الحقيقي لتكوين جيل قادر على التعامل الواعي والمسؤول مع التكنولوجيا، والاستفادة القصوى منها دون أن يقع فريسة لسلبياتها.

0