
في كل عام، وتحديدًا في العاشر من ديسمبر، تتجه أنظار العالم إلى أوسلو، حيث تُمنح جائزة نوبل للسلام تكريمًا لشخصيات تركت بصمة عميقة في مسار الإنسانية. ومنذ أن تقلدها نيلسون مانديلا عام 1993 لدوره التاريخي في إنهاء الفصل العنصري، ظل سؤال الاستحقاق مطروحًا بإلحاح: من يُحدث التغيير الحقيقي؟ ومن يملك الشجاعة لإعادة رسم الخرائط في زمن الأزمات؟
في المشهد الدولي الراهن، يبرز اسم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كأحد القلائل الذين لا يكتفون بردّ الفعل، بل يصنعون الحدث. فبين التوتر النووي بين واشنطن وموسكو، والمأساة السورية التي طالت أكثر من عقد، والصراع الإقليمي مع إيران، تحوّل ولي العهد السعودي إلى لاعب محوري في هندسة التهدئة وإعادة بناء الجسور المقطوعة.
ففي لحظة بلغ فيها التصعيد بين القوتين النوويتين الأكبر حدّه، ووسط تهديدات عسكرية صريحة وإرهاصات لحرب عالمية ثالثة، تدخل الأمير محمد بن سلمان بخطاب هادئ وأداء دقيق، فقاد وساطة سرية أتاحت فتح قنوات حوار بين واشنطن وموسكو، وأوقفت اندفاعة المواجهة. كانت وساطته نقطة تحول، حسب مراقبين، ليس فقط لخفض التصعيد، بل لإعادة الاعتبار لفكرة الدبلوماسية العاقلة في زمن التفكك.
وفي الملف السوري، لم يكتفِ الأمير بالمساعدات الإنسانية أو حملات الإغاثة، بل خاض وساطة مباشرة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس السوري أحمد الشرع، أفضت إلى رفع الحظر الأميركي عن سوريا بعد أكثر من عشرين عامًا من العزلة. الإعلان عن القرار جاء من واشنطن، لكنه حمل بصمة الرياض ورؤية قائد قرر أن يعيد للمنطقة بعضًا من اتزانها المفقود.
ولم يكن التحرك السعودي في هذا الاتجاه مجرد استجابة آنية، بل سبقته عمليات دعم إنساني كثيف، شملت إرسال قوافل طبية وإيوائية إلى الداخل السوري، بإشراف مركز الملك سلمان للإغاثة. بل وتشير مصادر دبلوماسية إلى مساعٍ خفية ومفاوضات هادئة أسهمت في تهيئة الأرضية لهذا التحول.
أما في جنوب آسيا، حيث ظل التوتر بين الهند وباكستان واحدًا من أكثر الملفات خطورة على الأمن الإقليمي والدولي، فقد برز دور لافت للأمير محمد بن سلمان في كبح التصعيد وتخفيف التوتر بين البلدين النوويين.. وقد ساعدت وساطته في فتح قنوات اتصال أمنية خلف الكواليس بين الجانبين، أسهمت في تجنب انزلاق المنطقة إلى مواجهة شاملة. لقد شكّلت هذه الخطوة نموذجًا إضافيًا لدبلوماسية التهدئة التي ينتهجها ولي العهد السعودي، والمرتكزة على العقلانية لا الاصطفاف.
الرؤية التي يحملها الأمير محمد بن سلمان تتجاوز الجغرافيا، وتنطلق من إيمان عميق بأن العالم الإسلامي لا ينبغي أن يُختزل في الأزمات، بل أن يكون شريكًا في صناعة السلام. من مشروع “مسام” لنزع الألغام التي زرعتها الميليشيات في اليمن، إلى مبادرات فصل التوائم، والعيادات الطبية العائمة في أفريقيا وآسيا، وسفن الإغاثة العابرة للحدود، تتجلى صورة جديدة لدور سعودي عالمي، لا يقوم على النفوذ فحسب، بل على الإسهام الحضاري والإنساني.
اليوم، وبعد سلسلة من الخطوات الجريئة التي أعادت ضبط الإيقاع في مناطق مشتعلة، ووسط اعتراف دولي متزايد بالدور السعودي في حلحلة النزاعات، يطرح كثيرون اسم محمد بن سلمان كمرشح جدير بجائزة نوبل للسلام. ليس من باب المجاملة، بل لأن معادلة السلام في عصر الأزمات تحتاج إلى من يملك الجرأة والرؤية في آنٍ معًا.
قد يُقال إن الجوائز الكبرى لا تنصف دائمًا اللاعبين الحقيقيين، لكن الأثر لا يحتاج إلى تصفيق كي يُعترف به. فبعض القادة لا ينتظرون التتويج، بل يكتبون فصول التغيير بأفعالهم، ويتركون للتاريخ مهمة الإنصاف.