المقالات

البطء الاجتماعي لحياة مطمئنة واعية

حضرت قبل أيام مساحة على منصة X للدكتور عاصم العقيل بعنوان: كيف نبطئ حياتنا الاجتماعية؛ لنصل للسكينة والطمأنينة!

تحدث فيها عن فلسفة البطء الاجتماعي، وكيف أصبحت حياتنا المعاصرة، أكثر إرهاقًا وتعقيدًا فسيطر القلق على حياة البعض! ثم أكد على أن “التباطؤ” ليس رفاهية؛ بل مقاومة ضرورية ضد ثقافة الاستهلاك والتسارع التي حرمتنا من الاستمتاع بلحظاتنا وعلاقاتنا!

​والحقيقة أن فلسفة البطء والتباطؤ – من التمهل وتخفيف السرعة- كانت تشغل تفكيري منذ فترة ليست بالقصيرة، وأخذت مني وقتًا طويلًا للتدريب؛ إلا إن حضوري للمساحة ومتابعة منشورات الدكتور عاصم عن هذا الموضوع أثار شهيتي لكتابة هذا المقال، وتساءلت: ماذا لو طبقنا البطء الاجتماعي في كل شيء؟

في العبادات، العمل، العلاقات، في القراءة…….!

لماذا نحتاج إلى التمهل في هذا العصر المتسارع؟

في هذا العصر الذي تُقاس فيه القيمة بـ “الكم” وليس “الكيف”، حيث التواصل السريع يحل محل الحوار العميق، والإنجاز المتعدد يحتل مكان الإتقان الهادئ، تأتي فكرة البطء الاجتماعي لتخبرنا بأن الإنسان ليس آلة، وأن الحياة ليست سباقًا، بل رحلة طويلة تحتاج مزيدًا من الوعي والتأني!

كيف أثرت السرعة على حياتنا؟

– العلاقات سطحية: فالمحادثات سريعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بدلا من الجلوس وجهًا لوجه!

– فقدان المتعة: فحتى أوقات الإجازات، والسفر، والزيارات أصبحت مليئة بالمشتتات الرقمية!

هنا يأتي دور البطء الاجتماعي كـ ثورة هادئة أمام تيار السرعة، فتعيد للإنسان توازنه، وتذكره بأن الأبطأ أحيانًا هو الأفضل، تمامًا كوجبة حنونة أُعدت في المنزل بحب و تمهل مقارنةً بالوجبات السريعة!

الركن الغائب: الطمأنينة في الصلاة ، درس في البطء الواعي!

لعل أبلغ مثال على أهمية البطء في حياتنا هو ركن الطمأنينة في الصلاة، الذي يُعتبر جوهرًا لقبولها. فالطمأنينة كما قال ابنُ حجر الهيتمي في “تحفة المحتاج”: “وضابطُها أن تسكُنَ وتستقِرَّ أعضاؤُه”، فهي ليست مجرد وقوف أو حركة، بل استقرار للقلب والجسد بعيدًا عن العجلة أثناء العبادة. وكلنا يعرف حديث المسئ لصلاته!

وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” أسوأ الناس سرقةً الذي يسرق من صلاته، قيل يارسول الله: وكيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها”(أخرجه أحمد).

فهل أصبحنا نسرق كل شيء من حياتنا؟

إن الطمأنينة تُعلمنا فلسفة البطء ب:

– الحضور الكامل للقلب : فتترك العالم خلفك لتستشعر لحظة وقوفك أمام خالقك!

– الجودة مقدمة على السرعة: فالأهم هو إتقان العبادة، وليس أداءها بسرعة!

– التوازن: بإعطاء كل حركة حقها ليحصل التناغم بين الحركة والسكون!

من مساحة Xإلى التطبيق العملي
كيف نمارس البطء الاجتماعي؟

– تخصيص أوقات للتواصل المباشر الفعّال مع الأسرة دون شاشات ومشتتات.
– تدريب النفس على التأمل اليومي، والتفكر بممارسات يومية صغيرة .
– إتقان العمل والتمهل عند الأداء، فالله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه.
– ممارسة الطمأنينة والهدوء في كل شيء: الأكل، المشي، وحتى في الحديث….
أخيرًا: لنتذكر أن الحياة ليست ماراثون، وكل ماكتبه الله لك، فهو لك!

• باحثة دكتوراه/ جامعة أم القرى

إبتسام إبراهيم الخميس

باحثة دكتوراة في الإدارة التربوية والتخطيط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى