الحج لا يُدار. الحج يُبنى. وبين البناء والتشغيل، مسافة لا يدركها إلا من اقترب من عمق الدولة حين تخلع ثوب الإدارة اليومية، وتدخل ثياب النية. موسم 1446هـ لم يكن موسماً ناجحاً بالمعنى الإعلامي، بل كان حجّة عقلية تُثبت أن المملكة بلغت النضج السيادي التشغيلي لعبادة لا تقبل الخطأ ولا تحتمل الإعادة.
لم تعد المملكة تفصل بين الحاج والزمن، بل صار كل حاج كتلة زمنية. لا يُنظر إليه من زاوية اسمه وجنسيته، بل من زاوية موعده ومساره ونمط تنقله. هذا ليس تصنيفاً بيروقراطياً، بل نمذجة بشرية لحشد يُدار بالساعة لا بالاسم، بالنبض لا بالنداء. لذلك لم يكن التصريح وسيلة رقابة، بل مفتاح دخول لمنظومة تتعامل مع الطواف والرمي والمبيت كنقاط أداء، لا فقط شعائر.
تفويج عرفات لم يتم عبر صفارات أو مكبرات، بل خوارزمية تجمع خمس إشارات: درجة حرارة الموقع، حجم التوافد في كل محطة، استهلاك المياه، مستوى الضغط في شبكات الاتصال، ومعدل استجابة النقل. حين تكتمل القراءة، تُفتح الموجة، ويُغذى عرفات بدفعة محسوبة، في توقيت لا يُترك للتوقع. في مزدلفة لم تُحتسب المساحة، بل عتبة الضغط، وتم استخدام “التنقيط المرحلي” كتقنية تفويج، لا كقرار تنظيمي. الجمرات كانت تُقرأ من الأعلى، ليست بُعداً من الإسمنت، بل خريطة تدفق حيوي يُعاد توجيهها كل ساعتين.
لم يكن الطواف مشهداً دينياً فقط، بل كان يتطلب حسابات فيزيائية. الكثافة، سرعة الدوران، ممرات الخروج، ذروة الزحام، انحراف الجدولة. كل شيء يُدار كأنك في مصفوفة أداء، لكن الخلفية صوت التلبية.
القطار لم يكن وسيلة مواصلات، بل مقياساً لحيوية النظام. تأخيره يعني إعادة جدولة آلاف البشر، وضبط التوقيت عبر موجات تنقل وتفريغ. استهلاك التكييف، توقيت الإغلاق، الكتلة الحرارية داخل القطار، كلها كانت مدخلات لتعديل توقيتات الحج ذاتها. الدولة لم تكن تشاهد الزحام… بل كانت تراقب احتمالاته قبل أن يوجد.
بلاغ المفقود لم يكن إنذاراً، بل حدثاً يفتح سلسلة عمليات. تحديد الإشارة، تحليل السلوك، إرسال فريق متعدد الوظائف، التحقق من الحالة الصحية، توزيع الخبر على المنصات، وتدوين الواقعة لتحديث نماذج الذكاء. الكل يعمل قبل أن يشعر الحاج أن شيئاً حدث. لأن الدولة لا تدار بالصوت، بل بالاستباق.
وعندما انتهى الحج، لم تتنفس الدولة. بل دخلت مرحلة مراجعة الصمت. كل خيمة، كل شاشة، كل رحلة، كل إشارة، كل سلوك، كل رقم، صار نقطة بيانات تُضخّ في النظام. لا للاحتفاظ… بل لإعادة بناء السيناريو القادم.
1,673,230 حاجًا، منهم 1,506,576 حاجًا من خارج المملكة، و166,654 من داخلها، عبروا في زمن مضغوط، ضمن خطة تشغيل واحدة، من خلال أكثر من 18,000 حافلة، وقطار مشاعر خدم 800,000 حاج بدقة تشغيل بلغت 99.8%. استفاد أكثر من 314,000 حاج من مبادرة طريق مكة. قُدمت 78,000 خدمة صحية، منها 200 ألف تدخل مباشر. 140,000 محاولة دخول غير مصرّح تم إيقافها، و10,000 تعديل تلقائي تم تنفيذه في شبكة الاتصال كل ساعة.
هذا ليس حجًا فقط. بل هذا هو الركن الخامس حين تتحوّله الرؤية إلى مرآة وطنية. كل جزء في موسم الحج يعكس هدفًا من أهداف رؤية المملكة 2030: من خدمة ضيوف الرحمن، إلى التحول الرقمي، إلى إدارة البيانات، إلى التكامل الأمني، إلى التوسع في الطاقة الاستيعابية، إلى رفع جودة الحياة في أصعب اختبار بشري من نوعه.
الحج لم يعد حدثًا دينيًا يُستعاد كل عام، بل أصبح نظام تشغيل تُختبر به كفاءة الدولة، وتُقاس به نضج الرؤية. فإذا أردت أن ترى الدولة على حقيقتها، لا تنظر في خطاب سياسي، بل امشِ على أرض الحج، وراقب الصمت المنظم… هناك، كل شيء يُقال دون أن يُقال.
الحمدالله الذي خير علينا خيارنا خفضو الامانة وعملو بكل صدق واخلاص وحققو للامة الراحة والامان بداء مناسكهم ولم يتحقق هذا الا بعمال جبارة يراد بها وجه الله تعالى امد الله بعمرهم بالصحة والعافية والتوفيق من رب العالمين
الحمدالله الذي خير علينا خيارنا خفضو الامانة وعملو بكل صدق واخلاص وحققو للامة الراحة والامان بداء مناسكهم ولم يتحقق هذا الا بعمال جبارة يراد بها وجه الله تعالى امد الله بعمرهم بالصحة والعافية والتوفيق من رب العالمين