عندما يتعرض أحدنا لمرض عضوي، يسارع إلى المستشفيات والمراكز الطبية طلبًا للعلاج والتخلص من الأعراض، ويجد دعمًا من أسرته ومحيطه، حرصًا على سلامته وصحته.
لكن الأمر يختلف تمامًا عندما يتعلق بالحالة النفسية. فإذا ما أصيب الإنسان باضطراب نفسي بدرجاته المختلفة، نجده غالبًا ينكفئ على نفسه، مترددًا أو خائفًا من طلب المساعدة المتخصصة، وسط صمت أسرته وتكتمهم، وكأن ثمة عيبًا يلحق بهم، أو عارًا يُحسب عليهم، فيتجنبون البحث عن العلاج المناسب، ويخفون الأمر عن القريب والبعيد.
بل وقد يلجأ البعض إلى الرقاة وأشباههم -سرًا- ظنًا منهم أن ذلك مقبول اجتماعيًا، بينما يعتبرون زيارة الطبيب النفسي أمرًا غير مألوف، يسبب لهم الحرج. وهذا ما يؤدي إلى تفاقم الحالة النفسية، ويجعل علاجها أكثر صعوبة، ويقلل من فرص التعافي، بل قد يفضي بالمريض إلى العزلة والشعور بالوحدة، مما يزيد الأعراض حدة مع مرور الوقت، ويعرّض المريض لمضاعفات مؤلمة، كما أن تبعاتها قد تنعكس سلبًا المجتمع بأسره إن تُركت بلا علاج.
فالأمراض النفسية –في الغالب– تؤثر على العلاقات الأسرية والاجتماعية، وتلقي بظلالها على بيئة العمل، وقد تسبب مشكلات إضافية تزيد من الأعباء على الأسرة والمجتمع. وإذا كنا نؤمن بأن إهمال الأمراض النفسية يؤدي إلى تفاقمها، فإننا في المقابل نؤمن بأن العناية بالصحة النفسية تُحسن من جودة حياة الأفراد، وتزيد من سعادتهم ورضاهم عن أنفسهم وأسرهم وأعمالهم.
ولا شك أن الاهتمام بالصحة النفسية يُسهم في تعزيز الصحة العامة، ويُقلل من خطر الإصابة بالأمراض الجسدية المرتبطة بالحالة النفسية، كأمراض القلب، والسكري، وغيرها مما أثبتته الدراسات العلمية.
لذا، من الأهمية بمكان نشر الوعي بأهمية الصحة النفسية، لتصحيح المفاهيم الخاطئة، وإلغاء الوصمة المرتبطة بها لدى بعض فئات المجتمع. ويشمل ذلك تقديم الدعم النفسي والاجتماعي، والحرص على الاكتشاف والعلاج المبكر، وتسهيل الوصول إلى الأطباء المختصين. فالمرض النفسي مثله مثل المرض العضوي يحتاج إلى مزيد من الاهتمام من قبل الشخص ذاته وذويه.
كما يرى الخبراء أن خطوات العلاج تبدأ بالاعتراف بالحاجة إلى المساعدة، ثم اللجوء إلى الجهات المتخصصة، إلى جانب أهمية ممارسة الرياضة، والانخراط في الأنشطة الترفيهية والاجتماعية، لما لها من أثر إيجابي في تحسين الحالة النفسية. وكذلك تدريب الأفراد على مهارات التكيف، وإدارة الضغوط النفسية، وتعزيز قدرتهم على مواجهة التحديات اليومية.
وفي المحصلة، فإن تحسين الصحة النفسية ينعكس على كافة جوانب حياة الإنسان، ويزيد من إنتاجيته ونجاحه، ويقوي علاقاته الاجتماعية والأسرية، ويقلل من فرص الإصابة بالأمراض العضوية، ما يسهم في بناء مجتمع أكثر توازنًا وصحة وسعادة.