في خضم التحولات الكبرى التي تشهدها المملكة في ظل رؤية 2030، تتسارع الجهود لبناء اقتصاد أخضر، وتعزيز الأمن الغذائي، وحماية الموارد الطبيعية.
لكن النجاح الحقيقي لا يكمن في مجرد تعدد المبادرات، بل في عمق الفهم لطبيعة العلاقة بين القطاعات. وهنا، يقف العمل البيئي لا كخلفية، بل كإطار استراتيجي لنجاح الزراعة، واستمرارها، وتحولها نحو الاستدامة.
لفترة طويلة، نُظر إلى البيئة على أنها قطاع داعم للزراعة أو موازي لها.
لكن الواقع البيئي والزراعي يُحتم علينا اليوم أن نعيد صياغة هذا التصور فلا يمكن أن تنجح الزراعة في تربة منهكة، ولا أن تستمر في مناخ فقد اتزانه، ولا أن تزدهر في أرض تهجرها الحياة الفطرية والمياه.
إن البيئة هي الشرط الموضوعي لاستمرار الزراعة، وأي مشروع زراعي لا يُبنى على قاعدة بيئية مستقرة… هو مشروع هش، مهما بدا ناجحًا على الورق.
التحول المطلوب في العقلية الإدارية ليس في (من يقود) بل في كيف يُقاس النجاح، من إدارة المشاريع إلى إدارة الأثر
لم تعد الأرقام وحدها مقياسًا، بل الأثر طويل المدى، واستدامة الموارد، وقدرة النظم البيئية على التجدد.
عندما يُنظر إلى مشاريع مثل مكافحة التصحر وتنظيم الرعي واستعادة الغابات أو حماية التنوع النباتي
على أنها مشاريع بيئية فقط، نُهدر نصف قيمتها.
أما حين تُفهم بوصفها مشاريع زراعية غير مباشرة، فإننا ننتقل من التجزئة إلى التكامل، ومن الصرف إلى الاستثمار.
فالزراعة ليست كمًّا من المحاصيل، بل نظامًا متوازنًا بين الإنسان والطبيعة.
وكل مشروع بيئي هو حماية للتربة، وتقليل للتبخر، واستعادة للتنوع الاحيائي. واستدامة في المياه الجوفية فهو مشروع زراعي أيضًا، وإن لم يُزرع فيه حَب وحصيد.
ما نحتاج اليه هو إعادة تعريف العلاقة بين البيئة والزراعة والمياه لتتكامل أكثر في اطار رؤية ٢٠٣٠
فلم يعد مهماً كيف نزيد الرقعة الزراعية
وانما كيف نزرع داخل القدرة البيئية على التعافي
ولا معنى لأي توسع زراعي لا تحميه مظلة بيئية، ولا جدوى من أمن غذائي مؤقت على حساب أمن مائي طويل الأجل.
وفي الختام إذا أردنا تحقيق الأمن الغذائي، فلا خيار أمامنا سوى أن نجعل البيئة إطارًا للزراعة، لا قطاعًا موازياً لها.
وهذا يتطلب تحولًا حقيقيًا من إدارة القطاعات إلى هندسة المنظومات، حيث لا ينجح مشروع دون آخر، ولا تستقر زراعة دون بيئة تحفظها.
لقد آن الأوان أن يتحول العمل البيئي من دور الحارس إلى دور الشريك الاستراتيجي في كل سياسة زراعية… فهذا هو الطريق الوحيد نحو الزراعة المستدامة، والوطن الأخضر.