في إجازة عيد الأضحى المبارك لهذا العام، وجد كثير من الطلاب أنفسهم أمام أولويات متزاحمة تتنافس على وقتهم واهتمامهم. فمن جهة هناك الالتزامات العائلية والمشاركة في المناسبات الاجتماعية التي تُعد جزءًا أصيلًا من ثقافتنا خلال العيد، ومن جهة أخرى تلوح في الأفق الاختبارات التي تبدأ مباشرة مع انتهاء الإجازة، بما تحمله من ضغوط الاستعداد والمذاكرة والتهيئة النفسية. وفي خضم هذا الموقف، يعيش طلاب التعليم العام خاصة صراعًا داخليًا بين رغبتهم في قضاء وقت ممتع مع الأهل والأصدقاء، وضرورة تكريس الجهد للدراسة تحضيرًا للاختبارات.
وهنا نتساءل: كيف يمكن للطلاب في مثل هذه المرحلة العمرية، التي قد لا يدركون فيها تمامًا تبعات قراراتهم، أن يحققوا التوازن المطلوب في مثل هذا الموقف؟
هل الدافعية كافية لتحقيق التوازن بين الإجازة والاختبارات؟
مع انطلاق الاختبارات بعد إجازة عيد الأضحى، برزت أهمية الدافعية الذاتية لدى الطلاب في قدرتهم على تحقيق التوازن بين الاستمتاع بأجواء العيد والاستعداد الجاد للاختبارات. فبينما تمكن بعض الطلاب من تنظيم وقتهم بين المشاركة في المناسبات العائلية والاجتماعية وبين تخصيص ساعات كافية للمذاكرة والمراجعة، نجد البعض وخاصة صغار السن لم يدركوا أن الاختبارات تنتظرهم بعد انتهاء إجازة العيد، وكان يوم الجمعة والسبت الماضيين أشبه بوقفة المحارب قبل المعركة، يتروى ويجهز سلاحه قبل دخول ساحة الاختبار، حيث يجمع الطالب والأهل طاقتهم للتركيز والاستعداد!
دور الأسرة في تحقيق التوازن
تلعب الأسرة دورًا محوريًا في مساعدة الأبناء على تحقيق التوازن بين متطلبات الدراسة والاستمتاع بإجازة العيد، وذلك من خلال تعزيز الدافعية الذاتية وتنظيم الوقت بشكل فعّال. ويُعد تشجيع الأبناء على الالتزام بجدول يومي يراعي فترات المذاكرة والراحة من أهم الوسائل التي تسهم في استمرار التحصيل الدراسي دون إغفال الجوانب الاجتماعية والنفسية المرتبطة بالإجازة. ومن المهم أن يُقدَّم هذا الدعم والتوجيه بما يتلاءم مع الفروق الفردية بين الأبناء، إذ لا توجد طريقة واحدة تصلح لجميع الحالات. ويُستحسن أن يسهم الوالدان في توفير بيئة منزلية محفّزة، خالية من المشتتات، مع مساعدتهم على تحديد أهداف واقعية وواضحة. كما أن التأكيد على أهمية النوم المنتظم وتفادي السهر المفرط يُعد عنصرًا أساسيًا في الحفاظ على التركيز، مع إتاحة المجال للمشاركة في الأنشطة الاجتماعية بما لا يتعارض مع متطلبات الدراسة.
الدور المناط بالمدرسة
من خلال متابعتي للميدان التعليمي، واطلاعي على الجهود المبذولة، يتضح حجم المسؤولية التي تضطلع بها المدارس، لا سيما في المرحلة الابتدائية، حيث بذلت المعلمات على وجه الخصوص جهودًا كبيرة في تهيئة الطالبات للاختبارات قبل بدء الإجازة، إلى جانب الاستعدادات المكثفة التي تُنفذ خلال الأيام التي تعقب الإجازة، والتي تخلو من الاختبارات، وتركّز على مراجعة المواد ذات الاختبارات المركزية. ورغم هذه الجهود الحثيثة، يظل هذا الواقع عبئًا إضافيًا على المدرسة، إذ إن الانقطاع الدراسي لمدة أسبوعين يُعد كافيًا لتقويض جانب كبير من العمل الذي سبق الإجازة، مما يتطلب مضاعفة الجهود لاستعادة جاهزية الطالبات للاختبارات.
كلمة أخيرة
تمثل تجربة خوض الاختبارات بعد إجازة عيد الأضحى تحديًا حقيقيًا للطلاب والمعلمين على حد سواء، خاصة في ظل استمرار اليوم الدراسي أثناء فترة الاختبارات وما يتطلبه ذلك من تركيز وجهد إضافي. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها المدارس لتهيئة البيئة المناسبة، فإن نجاح هذه التجربة يظل مرهونًا بمدى تكامل الأدوار بين المدرسة والأسرة والطالب نفسه. ومن الجدير بالذكر أن الظروف الجوية في كثير من المناطق، وما يصاحبها أحيانًا من ارتفاع درجات الحرارة، قد تشكل عائقًا إضافيًا يتطلب من إدارات التعليم مراعاة ذلك في تنظيم اليوم الدراسي، وتهيئة المدارس بتوفير بيئات صفية مريحة ومناسبة.
ومن زاوية أخرى فإن هذه التجربة في صورتها الراهنة، تُعد ميدانًا مفتوحًا للبحث والدراسة، إذ تمثل فرصة ثمينة للباحثين التربويين لدراسة آثار توقيت الاختبارات بعد الإجازات المطولة على التحصيل الدراسي والصحة النفسية للطلاب، وكذلك المعلمين وما يواجهونه من أعباء إضافية في تهيئة الطلاب واستكمال متطلبات العملية التعليمية في ظل هذه الظروف. كما تبرز الحاجة إلى إجراء بحوث إجرائية ميدانية تسهم في استقصاء هذه الظاهرة بعمق، واقتراح حلول عملية قابلة للتطبيق، مع الاستفادة من التجارب الدولية في كيفية إدارة هذه التحديات بأساليب علمية مدروسة.
وفي النهاية، تبقى هذه التجربة فرصة لتعزيز قدرات الطلاب على التكيف، وتحفيز المؤسسات التعليمية على تطوير آليات دعم متكاملة تسهم في إنجاح العملية التعليمية في مثل هذه الظروف.
• باحثة دكتوراه/ جامعة أم القرى