المقالات

الدور السعودي في دعم سوريا: من الإغاثة إلى الاستثمار

مكانة المملكة العربية السعودية الكبيرة في المجتمع الدولي جعلتها أحد أبرز مقومات الجغرافيا العربية حجمًا، لمكانتها الدينية، وقدرتها الاقتصادية، وتأثيرها السياسي، بثقلها الدبلوماسي، واستقرارها الداخلي بمؤسساتها القوية، ورؤيتها الاستراتيجية، وتاريخها الطويل في دعم الدول العربية، خاصة سوريا.

فلقد لعبت المملكة دورًا محوريًا في الملف السوري، فمنذ اندلاع الأزمة السورية وتغير نظامها السياسي، قدّمت المملكة دعمًا إنسانيًا كبيرًا للشعب السوري، باستقبال مئات الآلاف من اللاجئين، والمساهمة في دعم وتمويل عمليات الإغاثة عبر المنظمات الدولية والمحلية. كما سعت المملكة سياسيًا إلى دعم الحلول السلمية لإنهاء معاناة الشعب السوري، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية.

كل المقومات السابقة جعلت المملكة في موقع الريادة العربية، بفضل التزامها الإنساني، وسعيها من أجل الاستقرار، وتعزيز التضامن العربي، ودعم الاستقرار الإقليمي. فبدأ الدعم السعودي لسوريا بالدعم الإنساني والإغاثي، وتبع ذلك الدعم السياسي من خلال المشاركة في المؤتمرات الدولية لحل الأزمة السورية، ثم تَمثّل دورها الدبلوماسي الجديد في إعادة العلاقات مع دمشق بعد عام 2023م.

ولذا نجد أن الدعم السعودي لسوريا يجمع بين الأبعاد الإنسانية والسياسية والاستراتيجية، وهو نابع من رؤية شاملة لاستقرار المنطقة، كأحد أبرز أركان العمل العربي المشترك. لقد تعاملت المملكة مع الأزمة السورية منذ اندلاعها عام 2011م، ولم تكتفِ بالدعم الإنساني والسياسي، بل تحوّلت نحو دور أكثر شمولًا من خلال إعادة فتح القنوات الدبلوماسية، واستكشاف فرص الاستثمار، دعمًا لاستقرار سوريا، وإعادتها إلى الحاضنة العربية.

وقد أدت جهود المملكة تجاه سوريا إلى تحسن نسبي في الأوضاع السياسية، ليصبح الاستثمار السعودي فيها استراتيجية لدعم الاستقرار، من خلال إعادة الإعمار، وبناء البنية التحتية التي دمرتها الحرب، وتمكين الدولة السورية من تقديم خدماتها لشعبها بشكل أفضل، مما يعزز من شرعيتها المحلية، ويُسهم في استعادة التوازن العربي، لكبح جماح التأثيرات الإقليمية الأخرى، وتوفير فرص للشركات السعودية للعمل في مجالات المقاولات، والبنية التحتية، والطاقة، والخدمات. فاستقرار سوريا يُمثل عنصرًا مهمًا لأمن المنطقة بأسرها.

وتتنقل المملكة في تعاملها مع الوضع السوري من الإغاثة، إلى العمل السياسي، ثم إلى الاستثمار، ليبرز الدور السعودي كرافعة أساسية لإعادة دمج سوريا في الإطار العربي، والانطلاق بها نحو مستقبل واعد بالخير لها وللمنطقة. كما سيوفر ذلك فرص عمل جديدة لمواطنيها، ويساهم في تحسين دخلهم، من خلال إعادة بناء البنية التحتية والخدمات الأساسية، وإعادة إعمار الأحياء المدمرة، وتأهيل المدارس والمستشفيات، وترميم الطرق وشبكات المياه والكهرباء، لتحسين جودة الحياة، وخفض أسعار السلع والخدمات، ودعم الاقتصاد المحلي، وتحسين بيئة الأعمال، بما يعزز الاستقرار السياسي والاجتماعي، ويفتح آفاق التعليم والتدريب أمام الشباب، لإحياء الأمل بمستقبل أفضل.

وقد أدى هذا التوجه إلى ريادة المملكة عربيًا، بفضل التزامها الإنساني، وعملها الدؤوب من أجل الاستقرار، وتعزيز التضامن العربي، ودعم الاستقرار الإقليمي، حتى أصبحت المملكة صاحبة مكانة لا يمكن تجاوزها عند تناول الوضع العربي على المستوى الدولي.

وبهذا، ترسل المملكة رسالة واضحة لكل من تسوّل له نفسه العبث بأمن سوريا واستقرارها، من الداخل أو الخارج، بأن سوريا خط أحمر، لا يمكن تجاوزه، ولذا تدخل المملكة بكل ثقلها، وبجميع ما تملكه من أدوات القوة، لحمايتها من الانهيار.

• عضو هيئة تدريس سابق بقسم الإعلام بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

• مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية

د. فيصل أحمد الشميري

عضو هيئة التدريس بقسم الإعلام بجامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى