في كل بيت سعودي تقريباً هناك قصة حلم جامعي نسجتها سنوات طويلة من السهر والجهد والدعاء. ابن أو ابنة ينتظران لحظة إعلان القبول ليضعا أقدامهما على أول طريق المستقبل وأب وأم يترقبان فرحة تختصر عمرًا من الدعم والتضحيات. لكن الواقع الذي يعيشه الطلاب وأولياء أمورهم اليوم مع منصات القبول الموحّد للجامعات الحكومية جعل تلك اللحظة الموعودة تتحول في أحيان كثيرة إلى صدمة صامتة ومعاناة مُرهِقة.
الفكرة في أصلها سامية؛ منصة واحدة تختصر الإجراءات تنظم البيانات وتربط الطلاب بالجامعات بشفافية. لكن التطبيق العملي كشف ثغرات عميقة: ضغطة زر واحدة قد تحكم على طالب بمستقبل لم يختره أو تبعده عن جامعته المفضلة مئات الكيلومترات فيتحمل هو وأسرته تكاليف تنقل وسكن ونفقات لا يطيقونها. وقد يجد نفسه في بيئة جديدة بعيداً عن أسرته ودعمه النفسي ليعيش ضغوطاً اجتماعية ومالية تثقل كاهله وتعيقه عن الإبداع والتميز والابتكار.
كم من طالب متفوّق صدمه خطاب القبول في جامعة بعيدة لم يرغبها وكم من طالبة أنهكت أسرتها بالبحث عن سكن آمن في مدينة أخرى لا لضعف في معدلاتهم ولا لنقص في طموحهم بل بسبب جمود التقنية وضعف المرونة الإنسانية.
إن ما يطبق كـ “قبول موحّد” في عدد من الدول المتقدمة ليس بالضرورة أن يناسب بيئتنا أو ظروف أبنائنا وبناتنا: فالأنظمة تصمم لتراعي الواقع، لا لتهمل تأثيره. والقبول الجامعي في بلادنا يجب أن يأخذ في الاعتبار البيئات الاجتماعية والاقتصادية والظروف الأسرية ومقدرة العائلات على التحمل.
نحن بحاجة اليوم إلى وقفة شجاعة لإعادة تقييم تجربة القبول الموحد: ليس فقط لمراجعة آليات التقنية بل لإيجاد حلول تراعي العدالة والإنسانية وتمنح أبناء وبنات الوطن “مساحة الراحة” – الـ Comfort Zone – التي تساعدهم على التركيز والإبداع وصناعة مستقبل يليق بسواعد الوطن.
فالمسألة تتجاوز فكرة ترقية نظام أو تحديث منصة؛ إنها جوهر العدالة التعليمية وركيزة لتهيئة بيئة جامعية حاضنة للأحلام ومحفزة للإبداع لا طاردة لهما. فلنجعل التقنية أفقاً يفتح أبوابه أمام الطموح وجسراً تعبر عليه الأحلام بأمان، لا جداراً يسدل ستاره في وجه مستقبل أبنائنا وبناتنا.
• عضو هيئة تدريس – جامعة المؤسس



كفيت ووفيت ولعسى ان يكون لها صدا عند الي بيديهم القرار