المقالات

محمد القاسم.. على خطى الخلفاء

في لحظة غدر على أرض بعيدة، رحل الشاب السعودي محمد يوسف القاسم، طالب العلم في كامبريدج البريطانية، بعد أن تعرّض لطعنة غادرة أودت بحياته، وتركَت في قلوب محبيه لوعة لا تنطفئ، وأثارت في الذاكرة مشهدًا يتكرر في التاريخ… مشهد الطعن في الظهر، والغدر في الظلمة، واليد الآثمة التي تختار الخنجر بدل الكلمة.

وفاة محمد لم تكن مجرّد حادثة قتل، بل فاجعة إنسانية تُعيدنا إلى سجلٍ طويلٍ من الاغتيالات الغادرة، التي طالت أنبل القامات في تاريخنا الإسلامي، بدءًا من الفاروق عمر، ومرورًا بذي النورين عثمان، وانتهاءً بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب – رضوان الله عليهم جميعًا.

طُعن الفاروق رضي الله عنه وهو في محرابه يؤمّ الناس لصلاة الفجر، بخنجر مسموم، في مشهدٍ اهتزّت له المدينة المنورة، فهل كانت يد الغدر في المسجد أشدَّ ظلمًا من يد الغدر في شارع أوروبي؟
كلاهما خرج آمنًا، فطُعن بلا ذنب، إلا أنه يمضي إلى وجه ربّه، تاركًا خلفه صدمة، وسيرة، وألمًا لا يُنسى.

قُتل ذي النورين وهو يقرأ كتاب الله في بيته، محاصرًا بلا ذنب، إلا أن عدله أغاظ المتربصين.
وكأن محمد القاسم -برّه بوالديه، وابتسامته الهادئة، وخدمته التطوعية في الحرم- لم يشفع له في أرض الغربة، فغدر به من لا يعرف إلا لُغة الجريمة.

في الكوفة، خرج عليّ كعادته فجراً للصلاة، فاستقبله الخنجر لا السلام. طعنة صنعت شرخًا في الأمة، كما صنعت طعنة محمد شرخًا في قلوب السعوديين، والعرب، وكل من عرفه أو سمع بخلقه وفضله.

ما بين الكوفة وكامبريدج، فارقٌ في الجغرافيا لا في المعنى.
ففي كلا المشهدين، نُبلٌ يُغتال، وبراءةٌ تُذبح، وروحٌ تصعد إلى بارئها شاهدة على بشاعة الغدر.
لكنها أيضًا شهادة على عظمة الثبات، ونُبل الخاتمة، ورفعة القَدر لمن مات مظلومًا، لا ظالمًا.

مكة المكرمة ودعت ظهر اليوم الجمعة،  ابنها البار محمد القاسم اليوم، وجموع المصلين تشيّع جثمانه الطاهر إلى مقبرة الشهداء في مشهدٍ مهيب، جمع القلوب على الحزن، والدموع على الفقد.

ختامًا
سبحان الله… فقد أعلى الله ذكرك، وجعل وفاتك حدثًا عالميًا، وهكذا هم الكبار.
المصاب جلل، ليس على أهلك فقط، بل على كل من عرفك، وسمع قصتك.
وما هذا التفاعل الكبير الذي نراه اليوم إلا علامة محبة الناس لك، وشهادة على حسن الخاتمة، تتويجًا لأعمال البر التي قدّمتها لوالديك، وخدمتك لضيوف الرحمن في أطهر بقاع الأرض.

طبت حيًا وميتًا يا ابن القاسم، وستظل حيًا في ذاكرة محبيك، ما دامت القلوب تنبض، والدعاء لا ينقطع.

وإنا لله وإنا إليه راجعون.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. أحسنت القول وابدعت المقال رحم الله محمد وجبر أهله وذويه وعزؤنا أنه مع الشهداء ممن جمعته بهم في مقالك بإذن الله

  2. احسنت بعد ان اجدت سردك عن طعنات الشهداء والمغدور بهم في الظلم منذ بزوغ الاسلام وحتى اليوم وكلاها حدثت بدون سبب وانما بسبب الحقد الدفين في تلك القلوب اللعينة غير ان الفرق بين تلك الايادي الغادرة هو ان اغتيال الخلفاء رضي الله عنهم بايدي من انتسبوا للاسلام ولكن اي اسلام هذا واما من لا يعرف الاسلام فهذادافعه الى الاجرام امر آخر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى