المقالات

السعوديون بيجيبوا الرّواب دا من وين؟!

قبل أكثر من خمسة وعشرين عامًا كان من بين حُجاج السودان إمرأة إسمها “فاطمة” أتت لأداء الفريضة-، أنبهرت بما رأته من خدمات جليلة تُقدمها السعودية لحُجاج بيت الله الحرام؛ ولكن ماشدّ إنتباهها أنها لاحظت الكميات الكبيرة التي تُباع من “اللبن”، والتي توزع مجانًا ضمن هدية خادم الحرمين الشريفين السنوية للحجاج.

في السودان تطلق كلمة “لبن” على الحليب، بينما يستخدم الأخوة السعوديين كلمة “حليب”، أما اللبن في السعودية فهو اللبن الذي به حموضة وهذا ما نسميه في السودان بالروب أو اللبن الرائب، ومعلوم أن اللبن الرائب بيتم تخميره “بيروبُّوه” ويستخدم مايسموهو ” رواب، لتغييره من حليب الى روب، و إذا كانت هناك مناسبة في القرية وكان “الروب”، أي اللبن الرائب من مكونات المائدة الرئيسية، فإن نساء القرية يجمعن كل ما لديهن من روب ليكفي لضيوف المناسبة، وعندما رأت فاطمة هذه الأعداد الكبيرة من الحجاج وهذه الملاييين، و كل واحد يحمل قارورة لبن، سألت بكل تعجب وبكل بساطة: “السعوديون ديل بيجيبوا الرواب البيكفي الناس ديل كلهم من وين، و الابقار البيحلبوا منها اللبن بيجيبوا من وين؟”.
هذا السؤال كان قبل خمسة وعشرين عامًا وقبل الطفرة الكبيرة في خدمات الحج والعمرة من خلال رؤية المملكة 2030، التي يقود مسيرتها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، و سمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -عرّاب هذه الرؤية- حفظهما الله، إذ تشهد المملكة نهضة غير مسبوقة نحو مستقبل وآعد، ياتُرى لو أدركت فاطمة حج العام الماضي لتوقفت محتارة من كثرة الأسئلة التي تحتاج لإجابات بأرقام خيالية، “بيجيبوا الفراخ البيكفي الناس ديل من وين؟”، “وبيجيبوا الموية للوضوء بي كم؟”، “وبيستهلكوا كهرباء في اليوم بي كم؟”، و”كم عامل شغالين في نظافة الحرمين؟”، و”كم بص حافلة شغال في نقل الحجاج؟”، و”كم سرير بيجيبوها لسكن الحجاج؟”، و”كم مصحف بيطبعوه؟”، و”كم من الشرطة والحرس لتأمين المنطقة؟”، و”كم هي كميات الفواكه و الخضروات التي تستورد؟”، و”كم هي تكلفة كسوة الكعبة المشرفة السنوية؟”؛ تلك هي البركة التي تنزلت، و أنا مثل فاطمة أتساءل: “كيف كانت هذه الطفرة” و”الى أين ستصل، انا مذهول مثل غيري في السودان و جميع الدول، بأن ماتقدمه حكومة خادم الحرمين الشريفين لحجاج بيت الله الحرام -أعزها الله و أيدها-، الذين تتعدى أعدادهم الـ” إثنين مليون”، أمر غير عادي و لابد أن يقابل بالشكر والتقدير، فمن لايشكر الناس لايشكر الله، ولو أن فاطمة عادت للحج بعد الخمسة وعشرين عامًا، لأعطيناها إجابة من أين يأتي السعوديون بهذا “الرّوب” الذي يكفي للملاييين يوميًا، وعلى هذا نقيس بقية الخدمات التي يُمثل اللبن فيها نسبة أقل من الخمسة من ألف بالمئة، ونقول لها: هل تعلمين يا حاجة فاطمة، أن المملكة العربية السعودية تُقدم خدمات متكاملة للحجاج والمعتمرين في الحرمين الشريفين -المسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة-، مع تخصيص إستثمارات ضخمة لتوفير الراحة والأمان للزوار، ومنها على سبيل المثال: الكهرباء، يتم توفير إمدادات كهربائية ضخمة للحرمين، حيث يستهلك الحرم المكي وحده أكثر من 150 ميجاوات يومياً خلال مواسم الذروة، وقد تم إنشاء محطات كهرباء متطورة بتكلفة تتجاوز مليارات الريالات! وفي المياه، يتم توفير مياه زمزم بشكل مجاني، حيث يتم ضخ أكثر من 20 مليون لتر يومياً في الحرم المكي، تصل تكلفة خدمات المياه والصرف الصحي إلى مئات الملايين من الريالات سنوياً، وبالنسبة للنظافة والعمالة، يعمل أكثر من 10,000 عامل، في نظافة الحرمين الشريفين، و يتم تعقيم الحرمين بشكل يومي، وتصل ميزانية النظافة إلى أكثر من 500 مليون ريال سنوياً، وفي وسائل الحركة والنقل مثل الحافلات والقطارات فقد تم إنشاء مشروع قطار الحرمين السريع (بطول 450 كم) بتكلفة أكثر من 40 مليار ريال، ينقل أكثر من 60 مليون راكب سنوياً، وتوفر حافلات النقل الداخلي في مكة والمدينة أكثر من 5,000 رحلة يومياً، وبالنسبة للمشاة والجسور، فقد تم إنشاء جسور وأنفاق مشاة بتكلفة مليارات الريالات لتسهيل الحركة حول الحرم، حيث يوجد أكثر من 12 جسراً في مكة لتخفيف الازدحام، و في خدمات الأمن، يعمل أكثر من 100,000 عنصر أمني و قد يزيد خلال موسم الحج، يتم فيها إستخدام أنظمة مراقبة ذكية بكاميرات عالية الدقة، و بالنسبة للرعاية الصحية، يوجد أكثر من 30 مستشفى ومركزاً صحياً حول كل من الحرمين الشريفين، حيث تصل ميزانية الخدمات الصحية إلى أكثر من مليار ريال سنوياً، وفي التوسعات والتطويرات، فقد تمت مشاريع التوسعة بتكلفة توسعة للحرم المكي (مشروع التوسعة الكبرى) تصل إلى أكثر من 100 مليار ريال، و إستيعاب الحرم المكي بعد التوسعات يتجاوز 2.5 مليون مصلِ،
ولله در الإعرابي عندما رأى الحجيج و الاعداد المهولة، فما كان منه إلا أن توجه مناجياً رب العزة “اللهم اغفر لي قبل أن يدهمك الناس”، ظنًا منه أنه لن يجد فرصة مع هذه الجموع الهادرة، وقد نسي أن الله لا يخفي عليه شيء في السماوات ولا في الأرض، و أن الله يعلم السر و أخفى، ويسمع دبيب النمل.
يكفي حكومة المملكة العربية السعودية التي تستقبل ضيوف الرحمن من الحجاج و المعتمرين بالورود، وتودعهم وهم يحملون ماء زمزم و المصاحف و التمور، ويكفي أن مليكها -حفظه الله- تَسمّى بـ”خادم الحرمين الشريفين”، وبهذه التسمية التي هي شرف لكل سعودي؛ فإنه بلاشك و بتوفيق الله يستطيع أن يوفر “اللبن” ل “فاطمة”، وغيرها من الحُجاج ..الآية الكريمة: “أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ”..

• المدير الأسبق للحج والعمرة-السودان،

المطيع محمد أحمد السيد

المدير الأسبق للحج والعمرة-السودان،

مقالات ذات صلة

‫8 تعليقات

  1. عندهم حكام خايفين الله وما شغالين بالفارغة من احزاب وسياسة ونفاق وماسكين شرع الله في الحق وهمهم بلدهم وتطويرها في كل يوم .. بعد زيارة ترامب الأخيرة شفتة السعودية استثمرت كم في الذكاء الصانعي وفي بلدنا الاسمه السودان يتحكم مناوي والحلو وحميدتي وأردوا وكرتي وبرمة وخيرنا اكتر من السعودية والإمارات والخليج .. في النهاية الرواب عندنا لكن مراحنا سارح بالخلاء

  2. هذا من فضل الله عز وجل الذي سخر كل هذه النعمة لعباده ..وخصة المملكة العربية السعودية برجال ذو حكمة وعدل و كرم وانسانية.
    حفظ الله الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان .وحكومة المملكة وشعبها .

  3. هههههه فعلا من وين بجيبو الرواب دا
    بارك الله في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز

  4. وفيت وكفيت وأنصفت بعبارة جميلة وأسلوب لطيف
    جزاك الله خيرا وبارك فيك شيخنا الحبيب المطيع والذي في عهده ازدهرت خدمة حجاج بيت الله الحرام ولكم أيضا يرجع الفضل بعد الله وجهود المملكة المقدرة التي دعمتموها بتعاونكم معهم ومساهمتكم بآرائكم وحسن إدارتكم التي اعترفت بها إدارة الحج بالمملكة والتي عبرت عن ذلك بتكريمكم وشهادتها لكم بذلك .
    تقبل الله منكم وحفظكم ورعاكم وحفظ الله المملكة وايدها وبارك في جهودها

اترك رداً على فيصل العتيبي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى