استوقفتني “قصة سهام” الشابة المعروفة بالنشاط المجتمعي والعمل الإنساني في الفاشر، كانت تدير مطابخ متنقلة (التكايا) لإطعام النازحين والمحتاجين داخل الفاشر، لم تكن مقاتلة ولا شخصية عسكرية، بل متطوعة تعمل على تخفيف معاناة الجوعى عبر مبادرات التكية، جعلها المتمردون هدفاً في هجمات استهدفت المدنيين والمتطوعين باستهداف متعمد لشخصيات مدنية من بينهم متطوعون في المطابخ الجماعية، ولأن سهام كانت تطعم الجياع وتمثل آلاف المدنيين والمتطوعين الذين يخرجون كل يوم ليطعموا الجياع، فقد استهدفت وقتلت من قبل المليشيا، واستهداف المطابخ والمساعدين يحرم مدناً كاملة من أي شبكة أمان غذائي متبقية ويزيد من مأساة الحصار والجوع.
وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في بعض الغزوات: “الحقوا خالداً، وقولوا له: لا تقتل ذرية، ولا عسيفاً، ولا امرأة”، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مقتولة فتغير لونه، وقال لمن بالحضرة: “ما كانت هذه لتقاتل؟” لك أن تتخيل أن الإسلام قبل أكثر من ألف عام يمنع في الحرب قتل الاطفال والاجراء والعاملين في الإغاثة والنساء ويحضرني هنا حين دعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين للخروج إلى غزوة تبوك، كانت سنة من أشد السنين على الناس، جف الزرع واشتد الحر ونفدت الموارد، وسميت تلك الفترة عام العسرة لأن الجيش خرج وليس معه ما يكفي من الزاد ولا الراحلة، لكن الإيمان كان أقوى من الحاجة؛ فجاء عثمان بن عفان رضي الله عنه فتبرع بألف دينار وجهز جيش العسرة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم»، وتقاسم الصحابة القليل الذي عندهم حتى كان الرجلان والثلاثة يتعاقبون على راحلة واحدة، وكانوا يقولون: «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة» وهم في قلب المشقة.
هكذا واجهوا العسرة بالتكاتف لا باليأس، وبالإيثار لا بالأنانية، وهو الدرس الذي نحتاجه، واليوم تمر الفاشر بمحنة تبكي القلوب ويمتحن الله بها صبر أهلها وثباتهم، اللهم كن لهم عوناً ونصيراً، واغفر لشهدائهم، واشف جراحهم، ورد غائبهم وفك اسيرهم، وارفع عنهم البلاء، وامنحهم أمناً بعد خوف وسلاماً بعد فوضى.. إن واجبنا تجاههم لا يقف عند الحزن، بل يمتد بالدعاء والمساندة والعطاء، فمن كان له فضل مال فليتصدق، ومن كان له صوت فليدع، ومن كان له قلب فليشركهم في الألم والأمل، حتى تعود الفاشر كما كانت مدينة الصبر والعزة والإيمان.






