يُقال: إن أعظم القصص لا تُروى في الكتب، بل تُكتب في حياة الناس و تبقى أثراً.. حين تكشف الأزمات عن أجمل ما في الإنسانية، _لتنقلب المحنة إلى منحة_، و يظهر المعدن الأصيل للأمم و الشعوب. و قد شهدنا ذلك حين فتحت المملكة العربية السعودية ذراعيها لعشرات الآلاف من المعتمرين السودانيين، الذين أوقفت الحرب رحلات سفرهم الجوية و البحرية. لم يكن القرار مجرد استثناء إداري، بل صفحة إنسانية تُضاف إلى سجل المملكة العربية السعودية في خدمة ضيوف الرحمن. و من هنا، أكتب لأضع القارئ أمام صورة تعكس كيف تتحول المبادئ إلى ممارسات، و كيف يترجم الشعار الراسخ في أذهاننا، الذي أطلقته وزارة الحج و العمرة سابقاً،”خدمة الحاج شرف لنا” يترجم إلى واقع و نموذج إنساني فريد، تجسدت فيه روح الرعاية السعودية لضيوف الرحمن بأجمل صورها، فمع اندلاع الحرب في السودان، وجد أكثر من “ستين ألف” مُعتمر سوداني، وجدوا أنفسهم عالقين في المملكة، حيث تقطعت بهم السبل بعيدًا عن ديارهم، و باتت حجوزات عودتهم مستحيلة وسط ظروف الحرب.
و بالرغم من وجود ضوابط مشددة تنظم مدة إقامة المعتمرين و مواعيد مغادرتهم وفقًا لبرنامج التأشيرة، فإن القيادة الحكيمة -أعزها الله- لم تتردد في تقديم الرحمة فوق القانون. بتوجيه سامي كريم مباشر من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-، بإستثناء هؤلاء الضيوف من تلك الضوابط، و الإستجابة للظرف الإنساني الطارئ، حيث تم تمديد تأشيراتهم، و فتحت المملكة ذراعيها لإستضافتهم و توفير الرعاية الكاملة لهم طوال مدة إقامتهم القسرية، دون أي تكلفة إضافية أو أعباء.
هذا القرار لم يكن مجرد إجراء بل كان رسالة عالمية قوية تؤكد أن المملكة العربية السعودية، تحت قيادتها الرشيدة، ليست دولة مضيفة للحجاج فقط، بل هي دار ضيافة و أمان، ترعى ضيوف الله بحب و مسؤولية. كما جسدت هذه الخطوة العمق الإنساني في سياسة المملكة، و الوفاء بالرسالة السامية لخدمة قاصدي بيت الله الحرام في السراء و الضراء، مما يعزز مكانتها كقلب العالم الإسلامي النابض بالعطاء والرحمة.
و قد دوّن خالد محمد خالد في كتابه (رجال حول الرسول)، مواقف باقية للصحابة الذين جسّدوا أروع صور العطاء والإيثار. و من ذلك قصة الأنصار الذين فتحوا بيوتهم للمهاجرين و قالوا لهم: تفضلوا، هذا مالي و هذا بيتي. لم يكن ذلك تصرّفًا عابرًا، بل نموذجًا أصيلًا للضيافة، التي تحولت إلى مبدأ إنساني. و حين استحضرتُ هذه القصة، وجدت نفسي أمام مشهد معاصر يعكس روح المدينة في زمن النبوة، و هو مشهد ضيافة المملكة للمعتمرين السودانيين العالقين بسبب الحرب. هنا لم يكن القانون فقط هو سيد الموقف، بل الرحمة.. و لم تكن اللوائح الحاكمة فقط، بل المعنى النبوي و الكرامة الإنسانية، “حقاً.. نحن لن ننسى”
،






