المقالات

وسام الزهراني.. شهيد الغواصين

البحر، هذا الخلق العظيم، الآية المدهشة التي تنبض هيبةً وعمقًا لا ساحل له، يركبه الإنسان الضعيف كدودٍ على عود، يغامر فيه بين أمواجه وأسراره، غير مدرك أن وراء جمال زرقة مائه وخضرة أعماقه مهابة تهز القلوب، وأن بين كائناته البديعة ما يذكّر المرء بقدرة الله وعظمة صنعه.

في الثالث من أغسطس خيّم الحزن على أسرة وسام منصور الزهراني، الشاب الذي كان عاشقًا للغوص، صديقًا للأعماق، رفيقًا للّؤلؤ والأصداف. امتلك المهارة، وحاز الرخصة، وكان البحر بالنسبة له ملاذًا وملحمة عشق لا تنتهي. لكنه لم يعلم أن البحر الذي أحبه سيحتضنه في جوفه إلى الأبد.

انطلق وسام مع رفيق دربه في رحلة غوص بدت في ظاهرها نزهة بحرية، لكنها تحولت إلى مأساة تُبكي القلوب. غاصا بين الشعاب المرجانية الملونة، يتأملان عجائب خلق الله، ﴿هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ﴾. لحظات جمال وسكينة، ثم قدر مكتوب لا مهرب منه.

ساعات البحث طالت، ثم أيام، حتى تجاوز الانتظار إحدى وعشرين ليلة. قلوب الأهل تقطر ألمًا، وعيون الزوجة ترنو بأمل يائس، تحدث نفسها أن فارس البحر سيعود بكنوزه كما اعتاد. لكنها كانت لحظة فاصلة حين أعلنت السلطات أن الأمل قد انقطع، وأن وسام لم يعد إلا رفاتًا من أدواته، ابتلع البحر جسده، وربما التقمه أحد كائناته المفترسة.

رفيقه صعد جثة هامدة إلى سطح الأرض ودُفن بين البشر، أما وسام فقد اختاره الله أن يُدفن في جوف البحر، في ظلمات أعماقه، ليُصلّى عليه صلاة الغائب، وتبقى قصته شاهدة على أن الحذر لا يرد القدر.

لقد أخذ البحر من أسرته حبيبًا، لكنه أهدى لنا جميعًا درسًا: أن نوقن بمهابة هذا الكيان العظيم، وأن نعلم أن الغوص في أسراره لا يخلو من المخاطر مهما بلغت المهارة.

رحم الله وسام منصور الزهراني، وأسكنه فسيح جناته، وربط على قلب زوجته وأطفاله ووالديه وأحبابه. فلله ما أخذ وله ما أعطى، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رحم الله وسام وعظم اجر اهله وذويه
    انا لله وانا اليه راجعون
    لانستطيع القول الا اننا نؤمن بالقضاء والقدر ونحتاج اضافة الى ذلك زيادة التشديد في اخذ الاحتياطات خاصة لخوض غمار رحلة بحرية والله المستعان

اترك رداً على الدكتور حمد البشري إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى