المقالات

الاحتفال بالمولد النبوي بين المجيزين والمانعين

الحمد لله القائل: ﴿اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام دينًا﴾ [المائدة: 3].
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:
فقد كثر الكلام – كالعادة – عن المولد النبوي الشريف، على صاحبه أفضل الصلاة والسلام.
وانقسم الناس في هذا الباب إلى قسمين: مجيز ومانع.

فالمجيزون يرون أن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم سنة، بل ذهب بعضهم إلى أنه واجب، ورأى بعضهم أن من لم يقم به لا يحب الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يعرف حقه.
بينما الآخرون، وهم المانعون، يرون أن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بدعة محدثة، لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه رضي الله عنهم، ولا سادات المسلمين وعلماؤهم من القرون المفضلة، الذين هم أشد حبًا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأصدق طاعة واتباعًا.

ومن أبرز ما احتدم حوله النقاش بين المجيزين والمانعين:
هل ترك النبي صلى الله عليه وسلم لعمل المولد يدل على تحريمه وبدعيته، أم أن الترك لا يدل على الحرمة، وأن عمل المولد من البدع الحسنة التي تحبب الناس في ربهم ودينهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم؟

والجواب أن باب الترك أو التروك لابد فيه من التفصيل، وهو ما يقوله علماء الإسلام من المتقدمين والمتأخرين.
فالترك إن كان في العادات والمعاملات فإنه لا يدل على التحريم، كمثل بعض المعاملات التجارية التي لم يقم بها النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا لا يدل على تحريمها. فمن قام بها اليوم لا يُحتج عليه بأنها محرمة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعلها.
إذ القاعدة الشرعية تقول: إن الترك وعدم الفعل في العادات والمعاملات والمباحات لا يدل على التحريم.

أما إذا كان الترك في العبادات مع قيام المقتضي لها وعدم المانع من فعلها، فإن الترك يعتبر تحريمًا، وعملها لا يجوز ويعد من البدع المحدثة في دين الله.

ولكي لا يُتَّهم المانعون بأنهم انفردوا بمثل هذه القاعدة، فسأكتفي بالنقل عن عالمين كبيرين من علماء المسلمين ممن لهم مكانة عظيمة في نفوس من يجيزون المولد:
• الأول: الشيخ أبو العباس ابن حجر الهيتمي الشافعي في الفتاوى الحديثية (1/200)، حيث قال:

(كل بدعة ضلالة، فمعناه البدعة الشرعية. ألا ترى أن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان أنكروا الأذان في غير الصلوات الخمس كالعيدين، وإن لم يكن فيه نهي، وكرهوا استلام الركنين الشاميين، والصلاة عقب السعي بين الصفا والمروة قياسًا على الطواف. وكذلك ما تركه صلى الله عليه وسلم مع قيام المقتضي، فيكون تركه سنة وفعله بدعة مذمومة…).

• الثاني: الشيخ تقي الدين السبكي، حيث سُئل في فتاويه (2/549) عن بعض المحدثات فقال:

(الحمد لله، هذه بدعة لا يشك فيها أحد، ولا يرتاب في ذلك، ويكفي أنها لم تُعرف في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في زمن أصحابه، ولا عن أحد من علماء السلف).

وعلى مقتضى هذه القاعدة، التي يسلم بها من يرى جواز الاحتفال بالمولد، نقول: إنكم تعتبرونه عبادة وقربة، لا مجرد عادة. والمقتضي قائم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن عمل المولد من القرب التي يحبها الله ويؤجر عليها العبد. وقد جاء نبينا صلى الله عليه وسلم بكل ما يحبه الله ويرضاه.
ولا يوجد مانع يمنع تشريعه. فلما لم يفعله نبينا صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا آل بيته ولا نساؤه – وهن أحرص الناس على تعظيمه صلى الله عليه وسلم – دل ذلك على عدم مشروعية الاحتفال بالمولد، وأنه من البدع المحدثة.

وهنا كلمة عظيمة للصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، تبين الموقف:
قال: “كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تتعبدوها.”

اللهم اهدنا ووفقنا وجميع المسلمين إلى كل خير.

• أستاذ الفقه المقارن بجامعة تبوك – كلية الشريعة والقانون

أ. د. ناصر محمد العبيدي

استاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة والقانون جامعة تبوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى