الحمد الله القائل ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53]
والصلاة والسلام على رسوله الأمين وأصحابه أجمعين وبعد .
ففي أثناء قرائتي في سير عظماء المسلمين ‘ وقادتهم ‘ وتصفح تأريخهم ‘ ومطالعة أثارهم ,ونتائج جهدهم وعملهم الدئوب ‘ ومثابرتهم في خدمة دينهم ‘ و بناء أوطانهم ‘ والإستماتة في الدفاع عن قيمهم ‘ وأخلاقهم ‘ ومبادئهم ‘ بعد توفيق الله لهم والأخذ بأيديهم. يبرز لنا مؤسس الدولة السعودية الأولى الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن ال سعود -رحمه الله – ذو الرأي الباهر‘ والعقل الوافر ‘ كنموذج للقائد الفذ الذي أخذ على عاتقه مناصرة وتأييد دعوة الله ‘ التي دعا إليها الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله – فكانت الثمرة بزوغ فجر الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة – حفظها الله وأبقاها عزًا للإسلام والمسلمين – وفي نصرة الإمام محمد بن سعود للشيخ محمد بن عبدالوهاب والدفاع عنه وتأييده ‘ يقول أحدُ الشعراء مادحًا لموقف الإمام محمد بن سعود :
أواه في الدرعية البطلُ الذي
يلقاه بالإجلال وهو يرحبُ
محمدُ أصلُ الُمجد في أل مقرن
به اشتد للشيخ المبجل منكبُ
وبايعة في نصرة الدين والهدى
كما بايعت في وفدها قبل يثربُ
وإن مما ينبغي أن يعرفه كثير ممن لم يقرأ التاريخ ‘ ويقرأ أحداثه أن هنالك أسرةٌ كريمة ‘ وهي أسرة أل سعود- رحم الله من مات منهم وحفظ الله من كان حيًا , قد تفردت بإسبقية توحيد معظم أراضي الجزيرة العربية ‘ تحت لواء دولة إسلامية مالم يتحقق لغيرها من الدول والاسر منذ عقود طويلة.
يقول أخي صاحب السمو الملكي الامير فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز-حفظه الله – في كتابه “رسائل أئمة التوحيد “ص ١٤:
“إن مداد القلم وبلاغة التعبير ليست كافية لأي كائن كان أن يستذكر الشواهد لإبراز الحقائق التي أغفلها التأريخ الإسلامي المعاصر لهذه الكوكبة من الائمة – يقصد أئمة الدولة السعودية- الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ،فصدقهم وعده، ومكنهم في الأرض ، في حقبة عصيبة من الزمن ،كانت الخلافة الاسلامية تحتضر ،وظهرت ملامح التشتت والضياع ،حتى قضى الله ما قضى ،وبدأت نقطة الانطلاق للدولة الإسلامية من العاصمة السعودية الأولى-الدرعية- التي لاتزال تحتفظ بملامح صمودها ،وبقايا جدران حصونها التي تعرضت للدمار بسبب تلك الدعوة “انتهى كلامه.
أقول :
لقد كان من فضل الله – سبحانه وتعالى – على الناس أن قيض الله للمسلمين قيام الدولة السعودية سواء الأولى ‘ أو الثانية ‘ أو الثالثة ‘ وكانت الظروف التي مرت بالمسلمين منذ القرن الثاني عشر الهجري ظروفا حرجة وصعبة , وكادت أن تؤدي وتعصف بالمسلمين وبلدانهم وخاصة بلاد الحرمين الشريفين والتي هي مهوى افئدة الناس وقلوبهم فجاء الله بالدولة السعودية التي أعادت للمسلمين عزهم ومجدهم ‘ وحافظت على أرث المسلمين التليد‘ وأعادت بفضل الله للمسلمين تعاليم دينهم التي كادت أن تُطمس ‘ وأخلاقهم التي كادت أن تُمحى.
واليوم ها هي المملكة العربية السعودية وبقيادة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ‘ وولي عهده سمو سيدي صاحب السمو الملكي الامير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز – حفظهم الله – قائدة للمسلمين مدافعة عن حقوقهم ‘ مسخرة إمكانياتها وجهدها لخدمة الإسلام والمسلمين . ناشرة الأمن والأمان والسلام في العالم داعيةً إلى العدالة والوسطية ونبذ العنف والتطرف ‘ والإرهاب بكافة أشكاله ومختلف صوره.
فحيثما وجد منطق العقل ‘ وتحكيم مبدأ التعايش بين الأمم والشعوب تجد المملكة العربية السعودية منبره وداعيته وداعمه.
أما مواقف المملكة العربية السعودية مع إخوانها وجيرانها ومن تربطهم بها رابط العروبة والاسلام ‘ فهي مواقف مشرفة كعادتها تحشد – دائما- جميع إمكاناتها وطاقاتها في تأييد قضاياهم الحقة والدفاع عن حقوقهم المشروعة ‘ فكم بذلت من جهود جبارة مضنية في خدمة فلسطين وأهلها وكم أنفقت من أموال ومساعدات وإعانات طائلة ‘ وكم من محافل دولية وعربية أعلن قادة المملكة العربية السعودية- حفظهم الله وأعزهم – تأيدهم ونصرتهم للقضية الفلسطينية ‘ وكم عقدوا من مؤتمرات ولقاءات حشدوا فيها جميع طاقاتهم ‘ وجميع سبلهم ووسائلهم السياسية ‘ والدبلوماسية للدفاع عن فلسطين وأهلها . مما اكسب المملكة العربية السعودية – حفظها الله – هيبة ومصداقية عند كل الدول ‘ والشعوب ‘ فأصبحت هي المشار اليها في المحافل الدولية ‘ والمجامع العالمية ‘ والمعول عليها في حل المشكلات العالمية ,والصراعات الدولية , وما اجتماع قطبي العالم-أميركا وروسيا- هذه الايام على أراضيها وفي ضيافتها والرضى بأن تكون هي الحاضنة للقائهما والحوار بينهما ‘ إلا دليل على ما حباه الله للمملكة العربية السعودية من عز وتمكين وثقة العالم بها ‘ وبقيادتها الفذة الرشيدة .
وإن مما تعارف عليه الناس سابقا ولاحقا ‘ وجاءت به شريعة الاسلام هو معرفة الفضل لأهله والثناء على صاحب المعروف بما هو أهله ‘ من باب قوله تعالى “هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ” سورة الرحمن أية (٦٠).وقوله صلى الله عليه وسلم: “ومن صَنَع إليكم معروفًا فكافِئوه، فإنْ لم تَجِدوا ما تكافِئونَه فادْعُوا له حتى تَرَوا أنَّكم قد كافَأْتُموه “رواه أبو داود .
فنسأل الله أن يحفظ المملكة العربية السعودية وأن يحفظ قيادتها الرشيدة وأن يحفظ عليها دينها وأمنها واستقرارها , وأن يبقيها عزاً وذخراً للإسلام والمسلمين , وأن يصرف عنها وعن بلاد المسلمين الشر والفتن .
• استاذ الفقه المشارك المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة تبوك.