المقالات

انتخاب مجلس جمعية الأدب المهنية: ممارسة حضارية وتطلعات مستقبلية

شهدت الجمعية العمومية لجمعية الأدب المهنية أمس حدثًا لافتًا، حيث جرى انتخاب مجلس إدارة جديد فاز برئاسته الدكتور سعيد السريحي، والدكتور حسن النعمي نائباً له، وعضوية كلٍ من الدكتور معجب العدواني، والدكتور عادل خميس، والدكتورة نهى العويضي، والدكتورة نورة القحطاني، وخالد اليوسف، وجاسم الصحيح، ومحمد إبراهيم يعقوب.

لم يكن الحدث مجرد انتقال شكلي للقيادة، بل تجلّى فيه وعي حضاري راقٍ يعكس رُشد الممارسة الديمقراطية في مؤسساتنا الثقافية، ويؤكد أن الأدب، وهو جوهر الإبداع، قادر أن يُترجم نفسه إلى واقع تنظيمي متقدم.

جرت الانتخابات في أجواء يسودها الاحترام والشفافية، حيث أظهرت الجمعية العمومية وعيًا بأهمية المشاركة والاختيار الواعي. لم يكن الهدف مجرد ملء المقاعد، بل كان تكريسًا لقيمة الحوار والاختلاف المسؤول، وتأكيدًا على أن الأدب لا ينحصر في النصوص وإنما يتمدد ليشمل السلوك الجمعي وممارسات الحياة الثقافية. وهنا يحق لنا أن نحيي الجمعية العمومية التي جسدت بروحها الواعية هذه الممارسة الحضارية، وأسهمت بحضورها وقراراتها في إنجاح التجربة.

ومن اللافت كذلك الحضور الواضح للتقنية في إدارة العملية الانتخابية؛ إذ ساعدت على تسهيل إجراءات الترشيح والاقتراع وإعلان النتائج، ما أعطى صورة ناصعة عن قدرة المؤسسات الأدبية على مواكبة العصر. التقنية هنا لم تكن مجرد أداة، بل ضامنًا للشفافية والدقة، ووسيلة لإشراك الأعضاء بفاعلية أينما كانوا.

وهنا لا يمكننا تجاوز الدور الكبير الذي قامت به لجنة الانتخابات برئاسة الدكتور الترجمان عبد الرحمن السيد. فقد أدارت العملية بكل انضباط وحياد، وأسهمت في تعزيز الثقة بالمخرجات. ويستحق أعضاء اللجنة التقدير والشكر، فهم الجنود المجهولون الذين يقفون خلف نجاح مثل هذه الممارسات.

وإنصافًا للتجربة، لا بد من الإشادة بالمجلس السابق برئاسة الدكتور صالح زياد، الذي نجح في تجاوز كثير من العقبات ووضع اللبنات الأولى لمسيرة الجمعية، فلقد ترك المجلس تركة إيجابية غنية بالمنجزات، وهيأ أرضية صلبة ينطلق منها المجلس الجديد. هذه التركة ليست مجرد إنجازات إدارية، بل رصيد من الخبرة والدروس المستفادة.

واليوم، تُعلَّق الآمال على المجلس الجديد بقيادة الدكتور السريحي ونائبه الدكتور النعمي وكل أعضائه. التحدي الأكبر أمامهم ليس فقط في استكمال ما بدأه من سبقوهم، بل في الارتقاء بالعمل إلى مستوى يوازي مكانتهم الأدبية والعلمية وتاريخهم المضيء. الأعضاء الجدد ليسوا وجوهًا عابرة، بل رموز أدبية وأكاديمية استحقوا ونالوا وحملوا ثقة ناخبيهم، وهم أهل لها بالتأكيد. والمشهد الأدبي يتمنى لهم كل توفيق وسداد.

أحسب إن أمام المجلس الجديد ملفات كبيرة ومنها:
• مواصلة البناء على ما تحقق.
• تعزيز حضور الجمعية محليًا وعربيًا.
• دعم الكُتّاب الشباب وفتح قنوات للتواصل مع المجتمع.
• إدارة التوازن بين الطموح الكبير والإمكانات المتاحة.
• بناء شراكات فاعلة مع المؤسسات الثقافية والفنية الأخرى لتعزيز التأثير وتوسيع الأفق.

إلى جانب ذلك، هناك تحدٍ نوعي لا يقل أهمية: إن النشاط الأدبي اليوم أصبح كالرجل الذي فيه شركاء متشاكسون، أي أن الحراك الأدبي بات موزعًا بين أكثر من جهة ومؤسسة تعمل في المشهد نفسه. التحدي الحقيقي أمام المجلس الجديد هو أن يثبت بصمة الجمعية الخاصة، وأن يصنع فارقًا نوعيًا في الفعاليات والمناشط التي يقيمها، بحيث لا يكون حضوره مجرد إضافة عددية، بل قيمة مميزة ومؤثرة.

إن انتخاب مجلس جمعية الأدب المهنية ليس مجرد إجراء تنظيمي، بل هو إعلان عن نضج تجربة، وعن إيمان مجتمع الأدباء بأن القيادة مسؤولية، وبأن العمل المؤسسي طريقٌ إلى ترسيخ دور الأدب في نهضة الأمة. ومع المجلس الجديد، تبدأ صفحة جديدة من الحلم والطموح، صفحة نأمل أن تكتب بحبر الإنجاز ووعي المسؤولية في ظل رؤية الوطن 2030 الواعدة والفاعلة بقيادة مهندسها سمو ولي العهد حفظه الله ورعاه.

خلف سرحان القرشي

مؤلف ومترجم ومدرب في الكاتبة الإبداعية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى