المقالات

أبواب تُغلق وأفق يُفتح

الفشل في ميزان الحياة ليس ختامًا لرحلة، بل بداية لرحلة أخرى أكثر نضجًا وعمقًا. قد نرى أنفسنا أمام أبواب موصدة، ونشعر أن الطريق قد انقطع، لكن الحقيقة أن الله تعالى يُخفي في هذا الإغلاق لطفًا أكبر مما نتصور. فما نعدّه خسارة قد يكون حماية من شرّ، وما نحسبه تعثّرًا قد يكون تمهيدًا لفتح جديد. قال الحق سبحانه:
﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾

الحياة أوسع من أن تُختصر في تجربة واحدة أو وظيفة بعينها أو حلم مادي محدود. فهي مدرسة تربوية عظمى، فيها الامتحان والعبرة، وفيها الدرس والتأمل. الفشل يعلّمنا كيف نُعيد النظر في ذواتنا، كيف نتواضع، وكيف نُدرك أن ما عند الله أبقى وأكرم من كل ما نتصور. ومن يفقه هذا الدرس ينظر إلى العثرة لا كعقوبة، بل كرسالة تربوية تدفعه إلى التصحيح، وتعيد صياغة أولوياته في ضوء الرضا والتوكل.

وقد جاء في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس:
«واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك».
إنها ليست كلمات عابرة، بل فلسفة حياة تؤسس لليقين والطمأنينة، وتُخرج القلب من سجن القلق على الغد أو الندم على الأمس.

ومن زاوية فلسفية أعمق، يمكن القول إن الفشل يكسر أوهام السيطرة المطلقة التي يتشبث بها الإنسان. فهو يعلّمنا أن الوجود لا يسير وفق أهوائنا وحدود إدراكنا، بل وفق سنن أوسع وأرحم أرادها الله. حين نتعثر، نُدرك هشاشتنا، وحين ننهض، نكتشف أن القوة الحقيقية ليست في النجاح الدائم، بل في القدرة على النهوض بعد الانكسار، وفي الثقة بمن بيده ملكوت كل شيء.

قال تعالى: ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾
هذا التكرار ليس عبثًا، بل وعد إلهي يتجاوز المنطق الضيق للإنسان؛ إذ يجعلنا نؤمن أن الضيق يحمل في داخله بذرة الفرج، وأن الألم يخفي في طياته بذور الأمل.

إن كل تجربة مؤلمة ليست إلا صفحة من كتاب التربية الإلهية، يقرأها المؤمن بعين الرضا، ويحوّلها إلى حكمة يعيش بها ويعلّمها لغيره. فحين تُغلق الأبواب في وجهك، تذكّر أن وراء الجدار أفقًا أوسع ينتظرك، وأن رحمة الله لا تحدّها الأزمات، ولا يقيّدها ضيق اللحظة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى