المقالات

التحالف السعودي–الباكستاني.. أبعاد ودلالات

المتأمل في السياسة السعودية يجد أنها عبر التاريخ تمزج بين الحكمة والحنكة، والأمن والسلم، وتؤسس لتحالفات واقعية تعكس عمق الرؤية وبعد النظر، فهي تمضي بثبات وتصوغ مستقبلًا تُصان فيه السيادة وتعلو فيه راية الوطن. تابعنا أمس خبر اتفاقية الشراكة التاريخية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية، فهي ليست مجرد وثيقة ثنائية، بل خطوة استراتيجية تؤكد أن الرياض تتحرك في فضاء أوسع من ردود الأفعال، لتبني شراكات نوعية تستند إلى تاريخ ممتد وتطلعات مشتركة.

هذه الاتفاقية تأتي امتدادًا لعقود طويلة من التعاون العسكري والدفاعي بين البلدين، وتجسيدًا لشراكة تاريخية طالما جمعت بينهما في مختلف الظروف. الجديد اليوم أن الاتفاقية صيغت كتحالف دفاع استراتيجي شامل، يعكس وعيًا متبادلًا بضرورة الانتقال من التنسيق التقليدي إلى التكامل العملي الذي يواكب التحولات العميقة في البيئة الإقليمية والدولية.

أبعاد الاتفاقية متعددة، فهي من جهة إطار لتطوير القدرات الدفاعية المشتركة وتعزيز الردع الاستراتيجي، ومن جهة أخرى وسيلة لرفع الجاهزية وتكامل الإمكانات العسكرية، بما يتيح للبلدين التصدي بفاعلية لأي تهديد قد يطال أمنهما أو سلامة أراضيهما. كما أنها تفتح المجال أمام تعاون مؤسسي يشمل التدريب والتسليح وتبادل الخبرات، الأمر الذي يرسّخ البنية الدفاعية ويجعلها أكثر قدرة على الاستجابة للتحديات.

في بعدها السياسي، تعكس الاتفاقية ثبات التوجه السعودي نحو تنويع التحالفات الاستراتيجية، وتعزيز استقلالية القرار الدفاعي بعيدًا عن الارتباط الأحادي بأي قوة خارجية. فهي رسالة تؤكد أن الأمن والاستقرار الإقليمي لا يمكن أن يُتركا رهينة للتقلبات، بل يقومان على شراكات راسخة وثقة متبادلة، وعلى بناء منظومات تعاون تحصّن الدول في مواجهة أي تحديات محتملة.

إن توقيع هذه الاتفاقية بين الرياض وإسلام آباد يحمل في طياته بعدًا أبعد من مجرد التحالف الثنائي، فهو يشي بملامح توازن جديد في المنطقة، توازن يقوم على إدراك مشترك بأن بناء المستقبل لا يتحقق إلا عبر التكامل الدفاعي والاقتصادي والسياسي بين الدول الشقيقة والصديقة. وهكذا تثبت السياسة السعودية مرة أخرى أنها تنطلق من رؤية متبصرة، تجمع بين عمق التاريخ واستشراف المستقبل، لتبني واقعًا تُصان فيه السيادة وتعلو فيه راية الوطن… دام عزك يا وطن

أ.د فتحية بنت حسين عقاب

جامعة الملك سعود

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. جميل ،، و المقال في عرض ركز على العلاقات ، و التحالف السعودي الباكستاني من جميع النواحي التي كانت و ستكون في ظل الوضع السياسي الاستراتيجي الجديد “” تجمع بين عمق التاريخ واستشراف المستقبل، لتبني واقعًا تُصان فيه السيادة وتعلو فيه راية الوطن… دام عزك يا وطن “”
    شكرا لكِ أ. د. فتحية عقاب ❤️

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى