المقالات

الموهوبون في المرحلة الثانوية… من الاكتشاف إلى الاستثمار الوطني

الموهوبون ثروة وطنية لا تنضب. إنهم العقول التي تحمل بذور المستقبل، وتملك القدرة على صياغة واقع أكثر إشراقًا. وفي المرحلة الثانوية خصوصًا، يكتمل وعي الطالب وتتسع مداركه، فيغدو أكثر استعدادًا للبحث والاكتشاف والإبداع.

وهنا تبرز مسؤولية المدرسة في أن تكون الحضن الأول لهذه الطاقات، فتحولها من قدرات كامنة إلى إنجازات ملموسة.

وعند هذه النقطة يبرز سؤال جوهري: من هو الطالب الموهوب؟

الموهبة لا تعني التفوق الدراسي وحده، بل هي قدرة استثنائية في مجال معرفي أو إبداعي أو مهاري، تتجاوز ما يقدمه الطالب العادي. ولأن الانطباع الشخصي لا يكفي لتشخيص هذه القدرات، جاءت مقاييس موهبة لتضع إطارًا علميًا رصينًا للاكتشاف.

فهي تقيس القدرات العقلية العليا، وتكشف الاستعدادات الإبداعية، وتحدد المهارات الكامنة. وبذلك يصبح التعرف على الموهوبين أكثر عدلًا وموضوعية، بعيدًا عن التقديرات العشوائية والانطباعات العامة.

وبعد تحديد هذه الفئة بدقة، يبدأ الدور الحقيقي للمدرسة. فهي مطالبة بتهيئة بيئة تعليمية مرنة تراعي الفروق الفردية. كما تتيح للطالب فرصًا للتعمق في مجالات اهتمامه، وتفتح أمامه أبواب البحث والابتكار، وتوفر له الإرشاد الأكاديمي والمهني الذي يساعده على رسم مستقبله.

ويظل التعاون مع الأسرة عنصرًا حاسمًا في هذه العملية، إذ يضمن أن تجد الموهبة من يحتضنها في البيت كما في المدرسة.

غير أن الجهود المدرسية، على أهميتها، لا تكفي وحدها. فالموهبة تحتاج إلى أفق أوسع ومنظومة مؤسسية متكاملة. وهنا يبرز الدور المحوري لمؤسسة موهبة، التي أرست على مدى عقود منظومة وطنية رائدة لاكتشاف الموهوبين ورعايتهم.

لقد وفرت المؤسسة برامج إثرائية متخصصة، وفتحت المجال للمشاركة في منافسات محلية ودولية، ومهّدت مسارات أكاديمية متقدمة تتجاوز حدود المنهج التقليدي.

هذه الشراكة تمنح المدرسة بعدًا مؤسسيًا أعمق، وتكسب الطلاب خبرات نوعية تعزز ثقتهم بأنفسهم، كما تزود المعلمين والإداريين بأدوات علمية تسهم في تطوير أدائهم في التعامل مع هذه الفئة المتميزة.

إن الاستثمار في الموهوبين ليس قضية تربوية فحسب، بل هو رهان وطني استراتيجي. فهم رأس المال البشري الذي تراهن عليه المملكة لتحقيق مستهدفات رؤيتها 2030.

وحين تُكتشف الموهبة وتُرعى بمنهجية علمية متكاملة، تتحول إلى قوة إنتاجية تضيف للوطن قيمة تنافسية، وتجعله حاضرًا في ميادين الابتكار والبحث العلمي وصناعة المستقبل.

وعليه، فإن الاهتمام بالموهوبين في المرحلة الثانوية ليس مجرد واجب تربوي، بل خيار استراتيجي يرسم ملامح الغد، ويحدد موقع الوطن في سباق المعرفة والإبداع.

# قائدة تربوية

هيفاء محمد اليماني

مديرة مدرسة ثانوية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى