المقالات

يوم المعلم.. رسالة لا تقاس بالبصمة

عضو هيئة التدريب في معهد الإدارة العامة

يُعدّ المعلم الركيزة الأساسية في بناء منظومة التعليم، والعنصر الأبرز في تحقيق أهداف التنمية البشرية التي تسعى إليها رؤية المملكة 2030. فهو حامل رسالة العلم، ومهندس الفكر، وصانع الأجيال التي يُعوَّل عليها في نهضة الوطن وتقدمه. ففي كل صباح تشرق فيه شمس المعرفة، يقف المعلم شامخًا في مدرسته، يغرس في عقول الطلاب قيماً، وفي قلوبهم حب الوطن والعلم. إنه ليس مجرد ناقل للمعرفة، بل صانع أجيال، وبانٍ لمستقبل الأمة. ومهما تطورت التقنيات وتغيرت المناهج، يظل المعلم هو العنصر الأهم والأبرز في منظومة التعليم، والركيزة الأساسية التي تقوم عليها جودة المخرجات التعليمية. لذلك، فإن تقدير المعلم لا يكون بالكلمات وحدها، بل بتوفير بيئة عمل مريحة وداعمة، تحفزه على العطاء، وتمنحه مكانته التي يستحقها.

لقد أثبت المعلم في مراحل التعليم العام – من رياض الأطفال حتى المرحلة الثانوية – قدرته على أداء رسالته رغم ما يواجهه من أعباء مهنية ومتطلبات متزايدة، فكان مثالاً للالتزام والانضباط والعطاء المستمر. غير أن واقع المهنة اليوم يتطلّب مزيدًا من الدعم والرعاية لتمكينه من أداء دوره بكفاءة أعلى وجودة أكبر. إن وزارة التعليم، وهي الجهة المسؤولة عن النهوض بالميدان التربوي، مدعوة إلى تعزيز جودة الحياة الوظيفية للمعلمين، وتخفيف الأعباء الإدارية والمهام غير التعليمية التي تُثقل كاهلهم، مثل طول ساعات الدوام أو الالتزامات التقنية الروتينية كالبصمة وغيرها، بما يتيح لهم التفرغ لأداء جوهر رسالتهم التربوية والتعليمية. فالمعلم هو الموظف الوحيد من بين موظفي جميع مؤسسات القطاعين العام والخاص الذي ربما يعمل لساعات يومياً خارج وقت الدوام الرسمي دون أي مقابل مادي (خارج الدوام)، فربما يقضي الساعات في منزله في التحضير والتجهيز لمحاضرات واختبارات اليوم التالي، وربما أجهده التفكير في البحث عن حل مشكلة يمر بها أحد طلابه.

كما أن إعادة النظر في هيكلة الحوافز والمكافآت تمثل خطوة ضرورية لتحقيق العدالة المهنية بين معلمي التعليم العام ونظرائهم في التعليم الجامعي، فجهودهم متكاملة في بناء الإنسان وصناعة المستقبل، وتكريم أحدهما دون الآخر يُحدث فجوة لا تتسق مع أهداف العدالة الوظيفية والتميز المؤسسي؛ بل وإن لم أكن في يوم من الأيام معلماً في أحدى مراحل التعليم العام إلا أنني أكاد أجزم أن معلم التعليم العام يبذل جهداً مضاعفاً مقارنة بزميلة في التعليم الجامعي فهو يواجه فصولاً مكتظة بالطلاب، ويعمل لساعات أطول ويتعامل يومياً مع مسؤوليات تربوية وسلوكية وتعليمية متشابكة فضلاً عن المتابعة المستمرة للطلاب والتواصل مع أولياء امورهم والأنشطة المدرسية المتعددة دون مقابل مادي إضافي بل أن كثير من المعلمين يتحمل أعباء مالية شخصية من أجل أداء رسالته بأكمل وجه، فيشتري من راتبه الخاص مستلزمات تعليمية وهدايا لتحفيز طلابه. هذه الجهود تتطلب تقديراً خاصاً يتناسب مع حجم ما يقدمه المعلم من عطاء يومي لبناء جيل متعلم ولبنة صالحة في المجتمع. لذلك فإن من العدل أن يُعاد النظر في الفوارق بين معلم التعليم العام والمعلم الجامعي، فكلاهما يؤدي رسالة سامية في بناء العقول، ويستحقان التكريم والمكافأة بما يتناسب مع حجم أثرهما في المجتمع. إن يوم المعلم ليس مجرد احتفال رمزي فحسب، بل محطة لتجديد الالتزام تجاه هذه المهنة العظيمة وأصحابها. فحين نمنح المعلم تقديره المستحق، ونهيئ له بيئة عمل محفزة، فإننا نضع حجر الأساس لمستقبل أكثر استقرارًا ونماءً لأبنائنا ووطننا كيف لا!! ونهضة الأمم تبدأ من مقعد الصف.

د. عبدالله علي النهدي

عضو هيئة التدريب في معهد الإدارة العامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى