
1]
بين الإنسان ورفيق دربه، ذلك الذي شاطره لحظات التشويق قبل الامتحانات، ووجوه الأساتذة، وأحلام الشباب، ثم مسارات الحياة، تُنسج خيوط من نوع خاص. خيوط قوية لا تقطعها السنون، ولكنها تسمح بالمنافسة البريئة، وبمحاولات “الصيد في الماء العكر” كما يقال!
صديقي العزيز، ذلك الأديب الناقد الذي لا يهدأ، جعل من مهمته الشخصية تقليب كتاباتي كما يقلب “المتشرد” صناديق القمامة، باحثاً عن جوهرة نادرة اسمها “زلة قلم” أو “هفوة فكر”.
[2]
مهمته نبيلة لا شك، فهو لا يقرأ ليفهم أو ليستمتع، بل يقرأ ليمسك بالخيط الذي يقوده إلى “الفخ”، وأحياناً، إذا لم يجد الخيط، لا يتردد في نسج خيط من خياله! في كل مقال أو كتاب، يغوص بعين المجهر لا عين القلب، متجاوزاً أفكاراً بُنيت على مدى سنوات، ليعلق على فاصلة منقوطة أو كلمة عابرة، وكأنه يقول: “وجدتها! ها هي ثغرة العالم الفكرية!”
[3]
ولكن محاولته الأخيرة كانت تاجاً على رأس هذه المسيرة “النقدية” الظريفة. في معرض الرياض للكتاب، حيث وقفت ستة من كتبي التي نشرتها مؤخراً، وجد صديقي الفاضل – وكأن القدر يمازحه – كتاباً بعنوان “ثقوب في جدار الظلام” يحمل اسم “د. عبدالله حسين الصويغ”.
انشرح صدره، وامتلأ فؤاده نشوة المحقق الذي قبض على المجرم متلبساً. أسرع إلى هاتفه يهمس لي، ظاناً أنه عثر على “خطأ مطبعي” وجودي، أو أن دار النشر قد ارتكبت جريمة أدبية بإصدارها كتاباً لي دون علمي!
[4]
بعث لي برسالة هي خليط من التعاطف المزيف وفرحة الاكتشاف. تلقفت رسالتي بابتسامة عريضة، ثم شرحت له الأمر بلغة لا تخلو من “الظرافة” التي يعرفها فيّ:
“عزيزي صياد الأخطاء… لقد اصطدت هذه المرة سمكةً من نوعٍ لم تتعرف عليه من قبل! هذا الكتاب ليس لي، بل هو الإصدار الأدبي الأول لأخي الأصغر، د. عبدالله حسين الصويغ، طبيب المسالك البولية، حامل الزمالة الألمانية. نعم، هو طبيب “كلى” يفتح “ثقوباً في الظلام” بأدبه قبل أن يفعل ذلك بمشرطه في غرفة العمليات! لقد أجبرته على نشر خواطره تلك، فإذا كان كتبي وكتاباتي تزعجك، فما بالك بكتاب طبيب مسالك يبحث عن الثقوب باحترافية أعلى؟!”
[5]
ولكي تكتمل الصورة، أرسلت له صورة لي إلى جانب صورة أخي الطبيب الأديب، وصورة غلاف كتاب أخي د. عبدالله. ربما كان في الأمر رسالة ضمنية: “انظر جيداً، فالنقد يحتاج إلى دقة التشخيص الطبي أولاً!”
ها أنا ذا اليوم، لا أرد على صديق فقط، بل أعلنها مدوية: إن “ثقوب في جدار الظلام” كتاب أخي الطبيب الذي قرر أن يشاركنا نور خواطره. وهو كتاب يستحق القراءة حقاً، لأنه كُتب بقلب نقي، بعيداً عن نوازع الصيد في المياه الموحلة.
كتاب أخي د. عبدالله “ليس مجرد خواطر عابرة، بل هو رحلة إنسان يجمع بين دقة العلم ورقّة الأدب. إنه يذكرنا بأن القلوب تحتاج إلى جراحة روحية، كما تحتاج الكلى إلى تدخل طبي! في نصوصه، نجد ذلك المزج العجيب بين حكمة الطبيب وشفافية الأديب. كأنه يقول لنا: “كما أعالج أمراض الجسد، حاولت أن ألمس أمراض الروح”. إنها كتابات تصلح للقلب قبل الكلى، وتنفع النفس قبل الجسد.
[6]
فإلى كل قراء الأدب الأصيل، وإلى صديقي الذي ساهم دون أن يدري في دعاية مجانية للكتاب، أدعوكم لاكتشاف “ثقوب في جدار الظلام” لد. عبدالله الصويغ (الطبيب). فربما وجدتم فيه علاجاً لروحكم، قبل أن تحتاجوا إلى خبرته في علاج أجسادكم!
ملاحظة أخيرة لصديقي العزيز: اسمي عبدالعزيز.. وعبدالله طبيب المسالك. ربما تحتاج لفحص نظر قبل مواصلة رحلات الصيد!



